تاريخ ومزارات

جوهر اللالا.. “جنتلمان المماليك” أحب العلم ورعاية الأيتام وخلد ذكراه بمسجد في قلب القاهرة

على مقربة من ميدان “صلاح الدين”، وعلى بعد خطوات من القلعة، ينتصب مسجد “جوهر اللالا” وسط مجموعة من المساجد الأثرية الشهيرة في حي الخليفة جنوب العاصمة، ومن أبرزها: “السلطان حسن”، “الرفاعي”، “المحمودية”، و”قاني باي الرماح” الذي اختيرت واجهته لتزيّن الورقة النقدية المصرية فئة 200 جنيه.

من العبودية إلى قصر السلطنة

كان جوهر الحبشي الأصل في بداية أمره مملوكًا للأمير عمر بن بهادر، المشرف على مكة المكرمة، ثم انتقل هدية إلى أحمد الجلباني، الحاجب المعروف بلقب “اللالا”، أي المربي الخاص لأبناء الأمير برسباي، وبعد وفاة الجلباني، التحق جوهر بخدمة الأمير برسباي نفسه، قبل توليه السلطنة، وعين في وظيفة “لالا” لتربية ابنه العزيز محمد يوسف.

وشارك جوهر سيده في السجن بحصن المرقب في عهد السلطان المؤيد شيخ المحمودي، قبل أن يتسلطن برسباي لاحقًا ويحكم مصر 17 عامًا، قضاها في بسط الأمن، وقمع الفتن، وضم قبرص إلى الدولة المصرية.

صعود لافت بثقة السلطان

كما أنه بفضل مهارته وذكائه، استطاع جوهر أن ينال ثقة السلطان برسباي، فعين في عدد من المناصب الرفيعة، من أمير عشرة إلى أمير مائة، ثم مقدم ألف، وأمير أخور المشرف على الخيول، بالإضافة إلى وظيفة رأس نوبة الأمراء، وزمام دار المسؤول عن شؤون الحريم السلطاني، إلى جانب احتفاظه بوظيفته الأصلية كمربٍّ للأمير الصغير.

صفات نبيلة ومواقف إنسانية

وصفه المؤرخ جمال الدين بن تغري بردي بأنه كان من أنبل رجال عصره؛ نظيف الهيئة، مفرط في التأنق، دقيق في تنظيم شؤونه، نظيف اليد، يترفع عن المال الحرام، وصاحب شهامة معروفة بين العامة، لا يتردد في السعي لقضاء حوائج الناس لدى السلطان وكبار الدولة، فصار محبوبًا لدى العامة والنخبة على حد سواء.

ومن أبرز أعماله الخيرية، إنشاؤه لكتاب ومدرسة لتعليم أيتام المسلمين، وضع لها شروطًا تضمن الاستمرارية والانضباط، منها عدم تجاوز الأيتام سن البلوغ، والاهتمام بمن يتم القرآن مبكرًا بمنحه فرصة مواصلة التعليم وراتبًا ثابتًا.

مسجد ومدرسة على ربوة عالية

اختار جوهر اللالا موقعًا مميزًا لمشروعه الديني والتعليمي على ربوة قريبة من القلعة، تفصلها الكتلة الصخرية المنفصلة عن جبل المقطم.

وعلى مساحة لا تتجاوز 178 مترًا مربعًا، بني المسجد والمدرسة والسبيل، في تناغم معماري يفاخر بجمال التفاصيل ودقة التنفيذ، وألوان الأحجار المتبادلة بين الأحمر والأبيض، في شهادة حية على ذوق جوهر وانضباطه الشهير.

نهاية مأساوية لرجل نبيل

وبعد وفاة برسباي، وتولي السلطان جقمق الحكم، بدأ في التنكيل بكل رجالات السلطان الراحل، وكان جوهر على رأسهم، وبتهمة مساعدة الأمير العزيز محمد على الهرب، سجن جوهر في القلعة، وصودرت ممتلكاته، وطالبه السلطان بدفع ثلاثين ألف دينار، ما اضطره إلى بيع كل ما يملك ليفتدي نفسه.

أفرج عنه لاحقًا لشدة مرضه، لكنه قضى أيامه الأخيرة حزينًا منكسرًا، حتى توفي يوم الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام 842 هـ، ودفن في قبة ملحقة بمدرسته ومسجده القائمين إلى اليوم في محيط القلعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى