كتابنا

أوجاع السرد الشعي الشهىّ في قصص داليا السبع

حاتم عبدالهادي
داليا السبع؛ واحدة من كتاب القصة المعاصرين، تحاول أن تتلمس النور لتضيء قلوبنا وقلبها بوهج القص السيميائى الأثير، وعبر كيمياء السرد الدرامي / الشعري تنسج بوحها شهقات الأنثى المحبة، المتطلعة لحياة جديدة، عبر الحرف العجوز الذى عنوت به قصتها الأولى : “حرف عجوز “.
 
وأرادت من خلالها أن تماهينا بسرد يمازج بين التراجيديا الحزينة لحياة ذلك العجوز الذى مر به العمر، وتوق المحبوبة للذكرى، عبر شريط الحياة بعقل ذلك العجوز / الحرف / السرد المكتنز الجميل، لذا فإنها مزجت بين الشعر والنثر عبر دراماتيكية السرد، والراوي العليم، لذا تبدأ سردها شعراً :
 
يا رواية الشوق
في كف الورق ..
يا نقش الدم على
سطر ونبض ..
كيف أقصُ ما قد كان
والعمر رحل ..
 
إإنها قصة الذكرى إذن، رحيل العمر، وذكريات العجوز / ذكرياتها عبر شخوص السرد المااتع الجميل، فهى حكاية العجوز/ مذكراته / عمره يهريقه على الورق ليشكل حيواتنا، وتقول : “هكذا همس العجوز مستنداً على عصاه، وفي يده رواية وقلم، هل خطتها أنامله دون وعي؟ هل أراد الخلاص من تجاويف الصمت المطبق على نفسه المعلقة بالبعيد صوب خيوط الشمس الغارقه في السحب وقت المغيب؟ ،وهي تروي رواية العمر المنصرم ولم يتبق منه سوى بضع من فتات وتجاعيد خالطت نياط الفؤاد ودمعة تأبى الإستسلام وسط نوائب الحياة يجول دون انقطاع بعينه الباحثة عن سراب!
‎‏مازلتُ أراها بين موج الحروف.
تتشكل أنثى ..
مازالت تثير اشتياقي كيف تنسكب.. من شلال الكلمات تتخلق من اللهفة، المنغرسة ونفسي..
روايتي عجوز ترفل ثوبها الممزق، والحلم قصاصة
حملتها الرياح وعلقتها على فرع شجرة هناك.. نعم مازلت أراها
بجانب عش ذلك العصفور الجريح، وهو ينظر بعين تنوح
‏على جدار الصمت.. بين أخيلة الكلمات أرى صرح الأمنيات،
وسياج شائك يفصل بيني وبين رغبتي المكبلة ،لأنثى الحروف.. أنثى الوشاح..”.
 
ولعلنا نلمح مهارة الكاتبة في انتقالاتها البديعة بين السرد والشعر، دون ـأن يشعر القارىء بتغير في هارموني السردن وتلك لعمرى مهارة كاتبة تجيد نسج الشعر والنثر معاً وتقدمهما في قالب قصصي / شعري جميل، لنتعرف على حكاية العشق الكبيرة بين البطلة، وشخصية العجوز، الذى يكتب ذكرياتهن كما ننلمح جماليات الصورة التى ترسمها بدقة ومهارة شديدتين عبر تكثيف وتراكم للأحداث، ورمزية تشى بكاتبة تعرف خبايا الذات النفسية، وتنشد تشاركية القارىء.
 
وتقول: “تقف في ممرات مختنقة بذاكرتك يا عجوز.. شهرزادي ..هاميس على جدول نهر الحب تنشق اللوتس ..المرصع لجسدها الخالد ..تهمس في أذن الكلمات، متى يأتي محبوبي الملعون بصولجان الحب، ‏يود عناق الكلمات، يبكي
عين العمر الضائع وسط مشيب الأمنيات.. مر القطار كم انتظر
في محطاتهِ وسط ثلوج الزمن
يبعثر الاشتياق على أريكتهِ المهترئة.. لحظات تجر أذيال
صمت ،على قضبان السكون.. عقيم حرفك يا عجوز؛
رؤياك خيالات محموم يتنفس سطر
الورق ،فترتحل عنه حكمة الكلمات
فيقبع في زاوية اللا وجود…
إنها تمازج حكايتها بحكاية العجوز ، لتقدم لنا سرداً عبر الواقع السحرى الحزين، الجميل، الشاعرى، والرامز، والممتد”.
 
وفى قصتها : “على ضفاف الصبر” نرى داليا السبع ساردة بإمتياز، تريق ذاتها، وتفتح مسامات روحها للبوح الشهلى الدافق، ترقرق الروح، وتصفو لذكريات مرت، لغائب لا يجىء، وحاضر مهترىء، تدمع عينها، وتجترح قلبها، لتبدأ في البوح والإفضاء عبر مساحات البراح الذاتىن والنفسى، والألق، والوجع الشهى اللذيذ، فهى تتهجى الذكرى ، تستلذ بالجمال فيها، وتعيد صور البحر وانتظار الغريب الغائب بعيون دامعة، وقلب ملهوف موجوع، تتذكر وتظل تنتظر على ضفاف الصبر ولكن المحبوب لا يجىء ليظل حبه بقلبها إلى الأبد.
 
وتقول: “رسائلٌ من سراب” ( كم أنهكها العشق، وانتظار الغريب، حيث تسافر رياح الحنين، تحمل رسالات نبض حزين تعيسات حوريات البحر ،أصوات صرخات المحار أغضبت الأمواج كيف تعلو وتعلو فوق ضجيج صاخب؟!! يكاد يقتلها تصرخ ولا مجيب؟ من يحمل آخر برعم في شجرة الأمنيات؟! من يأخذ خاتم أحلامي قبل انبلاج الفجر؟! ليقذف به في بحيرة الفقد؛ ليطفو مرة أخرى كزنبقة السيدة العذراء. ظمئ شفاهٌ تشققت، احتياج رقراق نهر عينيك الرمادي .. من يقود قناديل الشمس في كهف مهجور ثوبي المهلهل تخترقه سهام برد الوحدة، تنشب في كل موضع من مواضع البدن التعس. هات قنينة ذاكرتي المهترئة لأملأها من نبيذ طيفك أتحسس جسدي، ما هذه القشور المتراصة؟ أكاد أرى ملائكة الخلاص، تحدق بي؛ تنظر غاضبة هفي آخر الرواق مشكاة خلف زجاج بلورتي السحرية تعكس أضواء هاجس يخنق نفسي أراني في عمق ذلك الأزرق مكبلة بسلاسل تشدني نحو الأعماق! هل سيتوحد الجسد مع هذه القمم النابتة هنا؟ أم ستغفو في محارة السلطان، حيث يتوقف الزمن وتذهب الروح كفقاعة تحمل أسرار أنثى تبددت كسراب).
 
وفى قصتها : “همس الغرباء”، والتي ذيلتها بعنوان فرعي “ربما .. اغنية التمني” نراها تمزج الواقع بالمتخيل، والسحرى بالفنتازى، والحقيقى بالمأمول، فكأن بها انجذابة، تمنى لغائب محبوب يفكك ازار قميصها ، ويقرقع أضلاعها، ويحيل القبلة بينهما إلى رتق عبر الزمن، او إلى نقش سادر على جدران الروح العاشقة، فهى تتمناهن تعشقه، تتخيل مجيئه، عبر الليل، يعزفها أغنية ليلية على صدره الغافى الحنون، ويحيل نورسها إلى ربيع بعد خريف طال، وانتظار، تتمنى وتتخيل لقيا تبل الروح، وتسقى الظمأ ، وتروى غلة الجسد العطشان لسيمفونية غنائه، تشهقه كانثى في فراغ التخييل عبر مخيال موجوع، وتمازج بين الواقع والخيال، الحقيقة والأحلام وتعيش اللحظة المشتهاة، المتخيلة.
 
وتقول: ( جذبته تلك الدموع، وصوت عزف قيثارتها الخاطف للروح … جلس أمامها وإذا بها تغني بصوتها الشجي كم كانت ساحرة انتفض الجميع من مقابر الصمت يتراقصون على سحر صوتها دون وعي وقف معهم دون إرادة، أخذ من يدها قيثارتها التي حسد التصاقها بها ،وأمسك خصرها واحتضنها ،بشدة قرب فاه من أذنها هامسا “انت أميرتي الليلة فمزقي ستائر الألم، عاهديني أن نلتقي مهما فارق بيننا الزمن، طبع علي شفاها” قبلة” كم دامت ياترى ؟!.
 
لحظة توقفت فيها الدقائق؛ أو لم تمر، فقد تمنت ذلك ،أفاقت وعاد الصمت، لم يعد إلا صوت هطول المطر على الرصيف في الخارج وعلى أوراق أشجارها الصامتة… ابتعدت … أ سرعت خطواتها ؛ ثم توقفت؛ تنظر له وكأنها تقول “انت الذي كنت انتظره” .. ابتسم لها…. وارتدى معطفة وبإشارة من عينيه قال “وداعا” فتح الباب ثم مضى ، وسط همهمات وضحكات هنا وهناك حديث المساء في حانة الغرباء ، ساعة لقاء يعقبها فراق، هرولت بعد دقائق ناحية الباب: هل لازال هناك ؟!… لا فقط الضباب وسط سقوط المطر بلل رمشها فانسال على شفتيها التي ظلت تتحسسهما دون توقف متسائلة ككيف يكون للعهود موثق هنا ؟!في صمت مختنق، وسط سياج الأوجاع الذي لطالما نال من الأجساد دون نجاة ،هل سنلتقي مرة اخرى ؟!… مازلت تتحسس شفتيها ،ثم ببطئ خلى من نبض الحياة .أخذت قيثارتها بين أحضانها وبدأت من جديد ….. ابتسمت قائلة …”ربما”) .
 
ولعلى قد أوردت المقطع هنا لجماليته الزاعقة في الروح، فهي قد خاتلت القارىء بداية باللقاء في ” كافيه ” أي في مكان وزمان هنا معلومين، ثم نراها عبر المخيال وتساقط المطر تشعر بطعم القبلة التى امطرتها من المخيال الترمميزىن ولم يكن هناك أحد، بل خيال جميل يراودها عن نفسها، وقد كان، لتتحق لديها ولدينا – المتعة الحسية، والروحية عبر شغف أنثى عاشقة، تتخيل بطلاً لا يجىء، وحبياً غائباً ن لذا رأيناها عبر الصورة والظل تخاتلنا لتصنع دهشة مغايرة، ولذة مشتهاة كذلك .
 
وفى النهاية: فإننا أمام قاصة -شاهقة جميلة، جديدة على الساحة الأدبية كذلك – تجيد استخدام الواقع السحرى لسيميائية السرد المكتنز، عبر روح شاعرة، وسرد يمزج الشعرى بالمتخيل، والحقيقى بالمثيولوجى لتحدث متعة للقارىء ، عبر ترميزاتها الجميلة، وصور مخيالها الشاعرية الدافقة.
 
وهى كذلك قاصة وشاعرة/ ساردة، نراها تشهق في فراغ الحروف بالعطر فينتشر العبير في حدائق العالم ليمر على ذاتها فتشبعها نفسياً ، وروحياً، وتنير قلوبنا بعطش الحب الشهى، لكنها لا تروى غلة الجسد العطشان، لتظل تصيح على برّية العدم والسكون والترقبن تنظر الغائب المحبوب، وتتعطر وتعطرنا بالسرد الشاعرى الجميل، والحالم ايضاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى