قبيلة كندة: رحلة الملوك من وادي دوعن إلى ساحات المجد
قبيلة كندة القحطانية، المعروفة بلقب كندة الملوك، كانت إحدى القبائل السبأية الشهيرة التي نشأت في مملكة كندة بوادي دوعن في القرن الثالث الميلادي. كانت كندة جزءًا من التحالفات القوية في الحرب السبأية التي رسمت معالم الجزيرة العربية في تلك الحقبة. بعد انتصار السبأيين، استقر جزء من القبيلة في حضرموت، فيما عاد القسم الأكبر إلى مأرب. تنحدر القبيلة من نسب طويل يتصل بثور بن عفير بن عدي بن الحارث من أصول قحطانية.
تاريخ قبيلة كندة
وقد ثار جدل كبير حول نسب كندة، حيث اختلف النسابة حول ما إذا كانت القبيلة عدنانية أم قحطانية. بعد انهيار سد مأرب، توجهت قبائل كندة إلى حضرموت والبحرين، بينما استقر جزء آخر في شمال نجد، في منطقة سميت لاحقًا بغمرذي كندة. هذا التشتت كان له أثر كبير في تشكيل مسار القبيلة وتحالفاتها السياسية والاجتماعية.
كندة عُرفت بين الإخباريين بكونها قبيلة ملكية، حيث كان لها حكم وسيطرة على مناطق واسعة من بادية الحجاز، وكان ملوكها يتعاقبون على الحكم في تلك الأراضي. ولعل أبرز ما يميز كندة هو ارتباطها بآكل المرار، الذي كان أحد ملوكها البارزين. وقد ورد ذكرها في نصوص المسند اليمنية، حيث أشار الملك أبرهة إلى قبيلة كندة كأحد الأطراف الفاعلة في الحروب والتحالفات التي سادت تلك الفترة.
وفي تلك النصوص القديمة، ذُكر ملك من كندة يُدعى ربعت، وهو ربيعة بن ثور، الذي حكم كندة وقحطان في وقت واحد. هذا الملك كان جزءًا من حلف كبير ضد مملكة سبأ وذي ريدان. تميزت هذه الفترة بتنافس شديد بين ممالك الجزيرة العربية، وكندة كانت في طليعة تلك القبائل التي حاولت الحفاظ على استقلالها وسط هذا الصراع الإقليمي.
في عهد الملك الشرح يحضب، دخلت كندة في تحالفات مضادة لحكم سبأ وذي ريدان. ومع ذلك، تعرضت القبيلة لهزيمة كبيرة في معركة ضد جيش سبأ، حيث أُسر ملكها وعدد من كبار قادتها. رغم هذه الخسارة، لم تنتهِ قوة كندة. تمكنت القبيلة من استعادة مكانتها بعد موافقتها على وضع أبنائها كرهائن لضمان الولاء لسبأ، وهو ما أسهم في إطلاق سراح ملكها وقادتها.
على مر الزمن، فقدت كندة استقلالها التدريجي وأصبحت خاضعة لحكم دولة سبأ وذي ريدان وحضرموت. النصوص المسندية تشير إلى أن كندة كانت جزءًا من مناطق نفوذ حكام سبأ، حيث حكمها وهب أوام، الذي أدار أراضي شاسعة تشمل قبائل حضرموت ومذحج وغيرها. وهكذا، انضمت كندة إلى منظومة الحكم التي أسسها ملوك سبأ، لتصبح جزءًا من إمبراطوريتهم الممتدة في الجزيرة العربية.
قبيلة كندة تميزت بمسيرة تاريخية حافلة بالصراعات والتحالفات، إذ تنقلت بين مراحل الاستقلال والتبعية. ورغم أنها فقدت سيادتها الكاملة في نهاية المطاف، إلا أن تأثيرها السياسي والاجتماعي ظل قويًا، واستمر ذكرها في كتب التاريخ والنقوش القديمة كرمز للقوة والشجاعة والحكم الملكي.