أحمد الشريف يكتب: أُذن ترامب تخلط أوراق اللعبة في أمريكا
بغض النظر إن كانت الحادثة التي تعرض لها الرئيس الأمريكي السابق ترامب في محاولة لاغتياله صحيحة أم مفتعلة ولكنها في كلا الحالتين قد حققت لترامب ما لم يكن يحلم به على وجه السرعة وخلطت بشكل واضح أوراق اللعبة في أمريكا ووضعت الرئيس الحالي جو بايدن في مأزق،
من أهم ما حصل عليه ترامب من مكاسب عُقب الحادثة التي اخترقت رصاصتها أذنه اليمنى أن الحزب الجمهوري سارع إلى اختياره مرشحا للسباق الرئاسي متزامنا مع إعفائه قضائيا من حيازته وثائق سرية إبان رئاسته الأولى فأنقذه هذا الإعفاء من المحاكمة التي كانت ستصعب ترشيح الحزب الجمهوري له للانتخابات القادمة وهو ما جعله يتصرف بثقة مطلقة وكأنه قد ضمن الفوز بالرئاسة مقدما وبدأ بوضع الخطط والبرامج لمرحلته القادمة ويهدد ويتوعد إضافة إلى اختياره لحاكم إحدى الولايات نائبا له مع أنه كان من أشد منتقديه خلال رئاسته السابقة وكان يتعامل معه كخصم، هذا على المستوى الداخلي أما ما يتعلق بالمستوى الخارجي فقد أحدثت نتائج هذه الحادثة وانعكاسها الإيجابي على ترامب نفسه انزعاجا كبيرا خاصة في أوساط دول حلف الناتو كونه قد هدد سابقا بانسحاب أمريكا من هذا الحلف رغم أنها هي من تشكل قوته وكذلك علاقته الودية مع الزعيم الروسي بوتين وموقفه السلبي من الحرب في أوكرانيا كونها ساندت في الانتخابات السابقة الرئيس الحالي جو بايدن واستفادت من رئاسته كداعم لها وبشدة ضد روسيا الاتحادية كما توجد لابنه الذي رفعت عليه قضايا في أمريكا استثمارات كبيرة في أوكرانيا وكذلك يطالب دول الاتحاد الأوروبي بدفع التعويضات وفرض قيود على الصين، وعليه فإن حلف الناتو سيكون أكثر المتضررين في حالة فوز ترامب بالرئاسة إذا ما أصر الرئيس الحالي بايدن على عدم الانسحاب لإفساح المجال لترشيح من هو أقوى منه في الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب، أما على المستوى العربي فتلك الدول المرتبطة بأمريكا وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي التي كان لها تجربة مريرة مع ترامب خلال رئاسته الأولى حيث كان يبتز أموالها ويجبرها على الدفع مقابل الحماية فلا يقل انزعاجها من حصوله على ولاية رئاسية ثانية عن انزعاج حلف الناتو وقد حذر الكثيرون من الخبراء والمتابعين لسياسة ترامب دول مجلس التعاون الخليجي من الوقوع مرة أخرى بين براثينه وألاعيبه لأنه لا يعرف التخاطب معهم إلا بلغة الأموال التي يتقنها جيدا كونه أصلا رجل أعمال وليس سياسيا وبما أن ترامب كان هو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية وستأتي ولايته الرئاسية الثانية في حالة فوزه امتدادا لولايته الرئاسية الأولى فإن هناك تنبؤات قديمة تشير إلى أن أمريكا قد تواجه في عهده المزيد من التفكك والانهيار وانكماش اقتصادها ونفوذها في العالم ولا يستبعد أن يكون غورباتشوف آخر الذي تسبب في تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق، كل هذه التوقعات محتمل حدوثها في أمريكا إذا لم يحزم الديمقراطيون أمرهم باستبعاد الرئيس الحالي بايدن من الترشح للانتخابات القادمة وترشيح من هو أفضل لمنافسة ترامب، وعليه فإن الأنظمة المرتبطة بأمريكا جذريا والمعتمدة على حمايتها والدفاع عنها في مختلف القارات تعيش حالة خوف من صعود ترامب إلى الرئاسة مرة ثانية ومن تهوره وتعامله مع الشعوب الأخرى كسيد من حقه عليها السمع والطاعة لما يوجه به ويطلب منها عمله خاصة ما يتعلق بمسألة الدفع المسبق وأكثر قلقا من سياسته غير الحكيمة الدول التي يوجد في أراضيها قواعد عسكرية لأمريكا لأنها قد تشكل خطرا على أنظمتها في حالة عدم تنفيذ ما يطلبه منهم سيد البيت الأبيض فتقوم هذه القواعد العسكرية بدعم من الداخل لمعارضين قد ينجحون بالانقلاب عليها، وسيظل هذا القلق قائم إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود خلال السباق الرئاسي في أمريكا المحدد إجراؤه في شهر نوفمبر القادم وستكون فترة الأشهر القادمة فترة ترقب حذر جدا لمن وضعوا أعناقهم تحت السيف الأمريكي لقطعها وخاصة في السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي المرهون قرارها السيادي للبيت الأبيض والمكبلة باتفاقيات علنية وسرية لا تستطيع الفكاك منها وإلا فإن أنظمتها ستطير وتسلم لمن هم أخلص منهم لأمريكا.
على سبيل المثال تورط السعودية والإمارات ومن تحالف معهم في عدوانهم على اليمن بأوامر وتوجيهات أمريكية والذي ما يزال مستمرا للعام العاشر على التوالي ولم يحقق تحالف العدوان أي هدف من الأهداف المعلنة في بداية عدوانهم على اليمن وإنما تحول اليمن إلى قوة إقليمية وأصبح قادرا على مواجهة أمريكا نفسها في البحار وهزيمتها مع من يتحالف معها كبريطانيا وإسرائيل واستطاع أن يستهدف حتى تل أبيب، وأصبح أيضا قادرا على إلحاق أفدح الأضرار بالمصالح السعودية والإماراتية في عقر داريهما في حالة تعنتهما وهما يدركان ذلك جيدا، لكن لأن الضغوط الأمريكية عليهما كبيرة بل والتهديد باستبدال أنظمتهما فلا محمد بن سلمان ولا محمد بن زايد قادران على اتخاذ قرار شجاع يخرج بلديهما من هذه الورطة الكبيرة مع اليمن والتعامل معه بندية وصولا إلى تفاهم وإنهاء العدوان الظالم عليه على الأقل لتجنب ما قد يُلحق ببلديهما الجيش اليمني من أضرار دفاعا عن بلده ، ولا هما قادران على أن يقولا لأمريكا إلى هنا وكفى وهو موقف جعلهما بين فكي كماشة صنعاء وواشنطن وقد يخسرا بسببه الكثير ويندمان على وقوعهما في هذا الموقف الصعب ما لم يتحررا منه ويضعا مصلحة بلديهما فوق كل اعتبار وإن كان مثل هذا الأمر طبيعيا بالنسبة لمن يرهن نفسه وسيادة بلده للآخرين وعِبر التاريخ كثيرة في هذا الجانب وكيف كان يتسبب الحُكام بإسقاط أنظمتهم والسماح باحتلال بلدانهم لاعتقادهم بأنهم في مأمن تحت حماية من وعدوهم بالدفاع عنهم ولكنهم سرعان ما يتخلون عنهم في أصعب الظروف وفي اللحظات الحرجة جدا لأن من وعدوهم بالحماية والدفاع عنهم لا يهمهم إلا خدمة مصالحهم ومستعدين للتضحية بمن يرون أنهم قد أصبحوا غير قادرين على تقديم ما يُطلب منهم حتى لو كانوا من أخلص من تعاملوا معهم، وهكذا سيكون مصير ابن سلمان وابن زايد في نهاية المطاف وعليهما أن يأخذا تحذيرات اليمن وقيادته الثورية على محمل الجد.