المزيد

الكتاب والحاكم: هبة أدبية ومكافأة سخية

“كتاب الأغاني”، أحد أهم الموسوعات الأدبية في القرن الرابع الهجري، يعتبر هذا الكتاب الضخم من أبرز الأعمال التي ألّفها أبو الفرج الأصفهاني، الذي وافته المنية في عام 356 هـ. يقوم المؤلف في هذا الكتاب على جمع وتوثيق الأغاني المتميزة التي كانت موجودة في عصره والعصور السابقة، مع ذكر تقنيات الغناء المستخدمة فيها، ويقوم بتحليل وتعليق على الأشعار والإشارات الموجودة فيها. استغرق تأليف الكتاب خمسين عامًا تقريبًا.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:

1. ثلاث أغاني اختارها المغني إبراهيم الموصلي للخليفة الواثق، ومائة أغنية أخرى من اختيار نفس المغني.
2. توثيق لأخبار الشعراء الذين لحنوا أغاني للخلفاء وأقاربهم.
3. مجموعة من الأغاني من اختيار الأصفهاني نفسه.

قام الأصفهاني بكتابة الكتاب في خمسين عامًا، وقدمه كهدية للحاكم سيف الدولة الحمداني الذي أعطاه مكافأة مالية كبيرة. بعد أن علم الحاكم الثاني بالهبة، طلب من الأصفهاني نسخة من الكتاب مقابل مبلغ مالي آخر، وبعد أن تلقى النسخة قبل أن يتم توزيع الكتاب، تم تداوله في العراق.

يتناول الكتاب قصصًا وأخبارًا كثيرة، ويشتمل على معلومات مغلوطة، وقد نقده العديد من العلماء والفقهاء بسبب هذه الأخطاء. يُعتبر الكتاب مرجعًا هامًا لمعرفة الآداب العربية والمجتمع الإسلامي في العصر العباسي، إضافةً إلى تصوراتهم حول المجتمع الجاهلي والصدر الأول والعصر الأموي.

على الرغم من قيمة الكتاب الثقافية والأدبية، إلا أنه يحتوي على العديد من القصص الكاذبة، مما دفع ببعض النقاد لانتقاده ورفضه. من الملحوظ أن الكتاب يسعى لإمتاع القارئ بالقصص المشوقة دون التركيز على الدقة التاريخية.

بحسب الأراء،ركز كتاب الأغاني على سرد الجوانب الإنسانية الضعيفة في حياة الشعراء، حيث يبرز جانب الخلاعة في سلوكهم، ويتجاهل الجوانب المعتدلة التي قد تكون مؤثرة بأخلاق الكتاب. هذا التركيز المائل يُشوّش على صورة بغداد كمركز للعلم والفلسفة والتقوى، ويجعل القارئ يتخيلها مدينة الخلاعة والإلحاد، على الرغم من أنها في الواقع كانت مزدهرة بالعلماء والزهاد.

تقدم أخبار بني أمية بشكل غير دقيق، حيث يعتمد الكاتب على روايات ضعيفة ومشكوك فيها، مما يُظهر بعض الأخطاء. بالإضافة إلى ذلك، يغفل الكتاب تمامًا عن ترجمة أبي نواس، ويتجاهل إشادته بأعماله الشعرية، بينما يُفرط في تسليط الضوء على شعراء آخرين بدرجة أقل منه.

قام الأستاذ شوقي أبو خليل بتقييم مصادر فيليب حتى في كتابه “تاريخ العرب”، مُشيرًا إلى أن كتاب الأغاني لا يمكن الاعتماد عليه كمرجع تاريخي، بل يُعتبر كتاب أدبي، ومن الضروري التأكد من مصداقية صاحبه قبل الاعتماد عليه، ويُظهر الكتاب تحيزًا واضحًا لتجسيد حياة العباسيين بشكل مبالغ فيه في الخيال والمجون والغناء، دون التركيز على جوانب أخرى هامة من التاريخ.

ويُعد كتاب الأغاني واحدًا من المجاميع الأدبية العربية الرئيسية، ويُعتبر “ديوان العرب” حسب وصف ابن خلدون ومصطلح المستشرق الكبير كارل بروكلمان. يحوي الكتاب مادة غنية تشمل أكثر من ستة عشر ألف بيت شعر، بالإضافة إلى الأخبار والتواريخ، وقد اشتهر بسرد الأصوات المائة المختارة من الأغاني التي وضعت للخليفة العربي هارون الرشيد، ثم تطرق الكاتب إلى شعراء هذه الأغاني وقصصهم، ما جعله مرجعًا مهمًا لفهم الأدب العربي وتاريخه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى