الهبوت العماني.. ملحمة تراثية من الشعر والسلاح والرجولة
دعاء رحيل
يشكل فن الهبوت أحد أبرز المظاهر الفولكلورية في محافظة ظفار بجنوب سلطنة عمان، ويحتل مكانة كبيرة بين الفنون التقليدية لما يحمله من رمزية وطنية وشعبية، فهو أحد أشهر الرقصات الغنائية وأكثرها انتشاراً، وله أنماط متعددة تميز كل منها مناسبة معينة أو هدفاً خاصاً، ومن أبرزها هبوت النجدة، الذي يعبّر من خلاله أهالي ظفار عن استعدادهم لتلبية نداء من يحتاج للمساعدة، ويضم كل نوع من أنواع الهبوت شاعراً خاصاً يتنافس مع غيره في صياغة القصائد، إذ يحمل شعر الهبوت إيقاعاً خاصاً يتكون من خمس نقرات، ويتغير هذا الإيقاع مع تطور الاحتفال ليصبح أكثر سرعة في نهايته، حيث يُطلق عليه حينها اسم العسير.
ما هو فن الهبوت
تتنوع أنواع الهبوت بحسب طبيعة المكان والمجتمع، ومنها هبوت المدن، وهبوت الريف، وهبوت البادية، وكلها تشترك في كونها فناً حماسياً يؤديه الرجال، ويجمع بين الغناء والانضباط العسكري، ويعبر عن روح التعاون والتكاتف المجتمعي في المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية.
طريقة أداء الهبوت
يقف المشاركون في صفوف متراصة حسب ترتيب دقيق، يبدأ بكبار السن والمشايخ في المقدمة، يليهم الشباب ثم الصغار، ويحمل المشاركون أسلحة متنوعة مثل البنادق، السيوف، والخناجر، في مشهد يعكس الجاهزية والفخر والانتماء.
يتقدم عدد من الشباب حاملين السيوف والخناجر ليقوموا بقفزات عالية في الهواء، مع تزامن حركي دقيق لحركات السيوف، وتتنوع القصائد التي تلقى بحسب المناسبة، خاصة في الاحتفالات بالأعياد الوطنية، حيث يعبر الشعر عن مشاعر الفخر والولاء والانتماء للوطن والقيادة.
أنماط الغناء في الهبوت
يعتمد فن الهبوت على الغناء الجماعي من دون استخدام أي آلة موسيقية، ويبدأ عادة بنمط يعرف باسم الزامل، ويكون فيه الغناء بطيئاً وذا طابع وقور، ثم يلي ذلك العسير، الذي يتميز بإيقاع أسرع وأكثر خفة، ثم تتكون حلقات دائرية من المؤدين، ويتصدّر كل حلقة شاعر يشرع بالمطارحات الشعرية، فتتحول الأجواء إلى مسابقة شعرية حية يغلب عليها الحماس والتفاعل، وتكون القصائد مختلفة عن تلك التي تقال في الزامل والعسير من حيث الوزن والإيقاع والمضمون.
الشعر في الهبوت
تشتق كلمة الهبوت من اللهجة الجبالية، وتعني النشيد أو الأغنية، وتشكل قصائد الهبوت مساجلات شعرية بين شاعرَين أو أكثر، وتتناول قضايا متنوعة مثل الحكمة، النصح، المدح، الصلح، الفخر، التحية، الوساطة، والنجدة، وتتميز هذه القصائد بالحضور القوي في كل المناسبات الكبرى، حيث يحمل الشاعر رسالة الجماعة ويعبر عن نبضها أمام القبائل أو المسؤولين أو الجمهور.
يلعب الشاعر دور المتحدث الرسمي باسم قبيلته أو مجتمعه في لحظات المواجهة أو التعبير عن المطالب، وتحرص معظم القبائل على أن يكون لها شاعر يمثلها في مناسبات الهبوت، ما يعزز مكانة الشاعر داخل المجتمع كرمز للتعبير والصوت الناطق باسم الجميع.
الزي التقليدي في الهبوت
تتنوع أزياء المشاركين في الهبوت حسب البيئة التي ينتمون إليها، فأهل الجبل والسهل يرتدون زي الصبيغة أو الزي النيلي، في حين يرتدي سكان المدن اللباس العماني الرسمي، ويتفق الجميع في حمل الخنجر والسلاح فوق الكتف، مما يعزز مشهد التوحد الوطني ويضفي على العرض هيبة خاصة.
يبقى فن الهبوت أحد أهم الرموز الثقافية في سلطنة عمان، حيث يجمع بين قوة الشعر وجمال الأداء وروح الجماعة، ويمنح كل من يشارك فيه شعوراً عميقاً بالانتماء والاعتزاز بالتاريخ والتراث.



