السلطان الصالح أورنك زيب عالمكير.. أحد أعظم ملوك الإسلام وأول من فرض الجزية على الهندوس
أسماء صبحي
هو السلطان الذي لا يكاد يعرفه أحد، وأحد عمالقة الإسلام، السلطا ن الزاهد المجاهد أبو المظفر محيي الدين محمد أورانك زيب عالمكير. سلطان مملكة شبه القارة الهندية وما حواليها في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر الهجري.
وُلد السلطان أورنك زيب في بلدة دوحد في بالهند في 15 من ذي القعدة 1028هـ الموافق 24 من أكتوبر 1619م. ونشأ في بيت عزٍّ وترف وشرف؛ فأبوه هو السلطان شاه جيهان أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين في الهند. وهو باني مقبرة “تاج محل” الشهيرة؛ التي تعدُّ الآن من عجائب الدنيا السبع.
ظهر من أورنك زيب منذ صغره علامات الجدِّ والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات. وترعرع محبًّا للدين الذي استقاه على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
سلطان الهند
أعلن أورنج زيب نفسه سلطانًا على الهند وهو فى الاربعين من عمره 40 سنة. بعد أن تمكن من قمع الثورات التي شنها إخوته عليه، ليظل في جهاد دام 52 سنة. استطاع خلالها تحويل شبه القارة الهندية إلى ولاية مغولية إسلامية ممتده من مرتفعات الهيمالايا إلى المحيط، ومن بنجلادش اليوم إلى حدود إيران.
.
أبطل أورنك زيب 80 نوعًا من الضرائب، وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده. وأقام المساجد والحمامات والخانقات والمدارس والبيمارستانات، وأصلح الطرق وبنى الحدائق. أصبحت دلهى في عهده حاضرة الدنيا، وعين القضاة وجعل له في كل ولاية نائبًا عنه. وأعلن في الناس أنه “مَنْ كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه”.
تمسك أورنك زيب بالإسلام
وأظهر أورنك زيب تمسُّكه بالإسلام والتزامه بشرائعه؛ فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية. مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التي تقال لتحية السلطان، واكتفى بتحية الإسلام. كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه،
وأتمَّ السلطان حفظ القرآن الكريم وهو يجلس على كرسي الحكم، وكان يصوم رمضان كاملاً ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير. كما كان يأكل من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين. فكتب مصحفين بخط يده، وأرسل واحدًا إلى مكة والآخر إلى المدينة.
وجمع الفتاوى الشرعية على المذهب الحنفي ،عرف باسم “الفتاوى الهندية”، أو “الفتاوى العالمكيرية”. وألَّف كتابًا شرح فيه أربعين حديثًا شريفًا على غرار الأربعين النووية. كما عرف عنه انه لم يكن يُعطى عالمًا عطية أو راتبًا إلا طالبه بعملٍ؛ بتأليف أو بتدريس، لئلاَّ يأخذ المال ويتكاسل، فيكون قد جمع بين السيئتين، أخذ المال بلا حقٍّ وكتمان العلم.
وخصَّص موظَّفين يكتبون كلَّ ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونه إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يفعل مِنْ قَبْل مع أسلافه. وكان يجلس للناس ثلاث مرَّات يوميًّا دون حاجب يسمع شكاواهم. فدخل فى عهده ملايين من الهنود في الإسلام، كما وقف حائلاً أمام المد الشيعي الصفوي على البلاد
محاربة الهندوس
قال حسين مؤنس، في كتاب “أطلس تاريخ الإسلام”، إن عالمكير كان على دراية كاملة بمخططات الهندوس لطرد المسلمين من بلادهم وإعادة مملكة رام. أكبر معبودات الهندوس على أرض الهند، لذلك أخذ يستعد ، لاسترداد ما أخذوه من مدن في جنوب الهند.
قام بتنقية الجيش الهندي من الشيعة، ثم أخرج الهندوس من سكان شمال الهند من كل المناصب المهمة والحساسة في الدولة. وأقام علاقات مصلحة مع الإنجليز لمواجهة الهندوس الذين تحالفوا مع البرتغاليين ضد المسلمين فظل يحاربهم لأكثر من عشرين سنة متصلة.
حقق عالماكير انتصارات واسعة على الهندوس فقتل زعيمهم وهدم معابدهم ونشر الإسلام في صفوفهم. وفرض الجزية على من بقي على دينه، وهو بذلك أول من وضع الجزية على الهندوس وبعدها تمكن من ضم ولايتي آسام والبنغال التي تعتبر معقل البوذية في الهند. وسادت الهند حالة من الهدوء والسلام بفضل جهود هذا السلطان العظيم.
توفى السلطان عن عمر يناهزالتسعين سنه في (28 من ذي القعدة 1118هـ الموافق20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52 سنة. وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يدفن في أقرب مقابر للمسلمين، وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات. و بسقوط آخر سلطان بهادر شاه الثاني عام 1857م بواسطة الإنجليز، لم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن في تلك البلاد الشاسعة.