خبيرة في التراث تروي قصة نضال “أم داود” ابنة قبيلة الرياشات مع الجيش المصري ضد الاحتلال الإسرائيلي
أسماء صبحي
تعد القبائل السيناوية هي حائط الصد الأول لأي عدو يهدد أمن مصر، ولها سجل حافل بالبطولات في التاريخ المصري، وخاصةً بطولاتها مع الجيش المصري ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي لتحرير سيناء، وما عقبها من جولات للحفاظ على حدود مصر آمنة ومستقرة، عبر مواقف خالدة في التاريخ المصري وذاكرة شعبه استحقت وتستحق الشكر والتكريم، مواقف لم يكن أبطالها من الرجال فقط بل كان للمرأة البدوية في سيناء دور بارز يعكس حالة مميزة من الوطنية، وهناك العديد من الأمثلة التي تجسد هذه البطولات، وسوف نسلط الضوء في هذا المقال على بطولات الحاجة فرحانة سالم الشهيرة بـ “أم داود”.
التحاقها بمجالس القضاء عند البدو
وروت نهلة إمام، خبيرة التراث الثقافي المصرية، قصة المناضلة فرحانة حسين سالم، ابنة قبيلة الرياشات، والشهيرة بـ “الحاجة أم داود”، حيث قالت إنها أول امرأة تمكنت من الوصول إلى مجالس القضاء عند البدو، والتي كانت تمنع مشاركة النساء، وخلال فترة شبابها عملت في تجارة القماش، وكانت تسافر ما بين مصر والأراضي المحتلة بشكل مستمر.
وأضافت، أن ما كانت تتمتع به الحاجة فرحانة من ثقة بالنفس، وقوة جسدية ملحوظة، ومعرفة واسعة بجغرافية أرض مصر مروراً بسيناء حتى الأراضي الفلسطينية، وشهرتها بين قبائل سيناء المختلفة، أهلها للالتحاق بجهود المقاومة المصرية لتحرير سيناء عقب هزيمة 1967، وقامت بإمداد القيادة الحربية المصرية بمعلومات من مختلف صفوف العدو الصهيوني.
وتابعت إمام، إن الحاجة فرحانة عاصرت عهد الملك فاروق، وشهدت الكثير من الحروب، وفي الأوضاع التي تشهدها مصر حالياً، أرادت أن تساهم في رسم صورة إيجابية مستمدة من ذاكرة سيناء الأصيلة توضح صفات المصريين وحبهم لوطنهم الغالي مصر.
قصة نضال أم داود مع الجيش المصري
وعن تفاصيل قصة نضال الحاجة أم داود ضد العدو الإسرائيلي، قالت إمام، إن الأمر لم يكن بالشيء الهين أو السهل، حيث وضعتها المخابرات الحربية تحت المراقبة مدة طويلة للتأكد من ولائها وانتمائها إلى وطنها، ولمعرفة مدى قدرتها على مساعدتهم، لافتةً إلى أنه بعد تأكدهم من ذلك طلبوا منها الانضمام إليهم، وكانت أشعر بالفخر حينها، حيث أن الجميع في ذلك الوقت كان يتمنى خدمة وطنه بأي وسيلة وبكل ما أوتي من قوة ومن دون النظر إلى أي مقابل.
وتابعت: “بدأت الحاجة فرحانة تتدرب على طريقة الحصول على المعلومات ونقل ما تشاهده في
معسكرات العدو الصهيوني بكل دقة، فكانت تقوم بنقل تحركات الجيش الإسرائيلي وأي شيء آخر تتمكن من العثور عليه وإن لم تكلف به طالما كان يخدم مصر”، مشيرة إلى أنها تمكنت من الحصول على خريطة لمطار الجورة الذي كان يقوم العدو الإسرائيلي ببنائه في سيناء.
وأضافت: “في إحدى المهام التي كلفت بها، سارت لساعات طويلة وصلت إلى 10 ساعات بدأت نهارًا من مثلث القنطرة مستقلة سيارة إلى النجيلة، وهنا بدأت المشي على الأقدام، وكانت تقوم بإخفاء آثار الأقدام مرة بجريدة ومرة بجلد ماعز مربوط على قدمي، ووصلت إلى منطقة الدهيشة ثم عين القصب ثم الهيش ثم الغشيمية (ذيل بحير) ثم الجديدية حتى بئر العبد، وكانت هذه مناطق تسكنها مجموعات قليلة من قبيلة البياضية، وكانت ذات طبيعة صحراوية وبها واحات نخل تؤتى موسم البلح ليقتات به البدو، كما كانت هذه المناطق المذكورة تعتبر منطقة فاصلة تحت الرقابة الدولية”.
وأوضحت، أن الحاجة أم دواد كانت تستدل بالنجوم حتى تتمكن من معرفة الطريق، مشيرة إلى أنها استقلت سيارة من بئر العبد حتى العريش، حيث كانت تنطلق من هناك مهماته لجلب الخرائط والمعلومات وتسليمها إلى المكتب المسئول عني، وفي إحدى المرات طلب المكتب منها أسهل الطرق لأحد رجاله حتى يتمكن من الذهاب إلى الجورة لتصوير المطار، وبالفعل تمكنت من أن أوصله إلى هناك وقام بتصوير المطار.