قصة الغليون المقدس.. وهذا سر تقديسه عند قبائل الهنود الحمر
أسماء صبحي
الهنود الحمر هم سكان الأمريكتين الأصليين، ويطلق عليهم إسم الأمريكيون القدماء. وقد عاشوا في قارة أمريكا قبل وصول المستكشف كريستوفر كولومبس. وهو من أطلق عليهم إسم الهنود لأنّه ظن أنّه في الهند الشرقية عندما وصل سواحل أمريكا. ثم تمت إضافة كلمة الحمر لتمييزهم عن هنود القارة الآسيوية. يبلغ عدد الهنود الحمر ما يقارب 84 مليون يتوزع جزء كبير منهم في المكسيك والبيرو. يتحدث الهنود الحمر اللغة الانجليزية والفرنسية والاسبانية ويدين معظمهم بالديانة المسيحية. يعيشون في تجمعات بشرية متحدة ومغلقة ولا زالوا يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم ومقدساتهم القديمة. مثل “الغليون المقدس” وطرق العبادة والزواج واللباس وغيرها.
الغليون المقدس عند الهنود الحمر
يعد الغليون المقدس من الرموز الدينية التي يمارس بها الهنود طقوس التقرب من الخالق أثناء الصلاة. وهم يعتقدون أنه ليس مجرد رمز ديني فقط، بل هو وسيلة لإيصال الدعاء والشكر إلى السماء عبر دخانه الذي يقوم بدور الرسول. يحشو الهنود الحمر الغليون المقدس بالميرمية أو مستحضر عشبي أخر من النباتات التي تنتشر في سهولهم. ويمرر الهنود المجتمعون للصلاة الغليون من شخص لآخر حتى يدخن منه قليلًا. ويدعو الخالق بعد أن ينفخ الدخان نحو السماء، يستعمل الغليون المقدس في مراسم احتفال شهير يدعى احتفال “شانوبا”. يضفي الغليون على إحتفالات الهنود وصلواتهم طابعًا خاصًا. إذ يعتقدون أنّه هدية الرب لهم وعليهم أن يحافظوا عليها ويتقربوا للرب من خلالها.
قصة الغليون المقدس
في صباح يوم صيفي باكر قبل مئات السنين، كان رجلان من قبائل اللاكوتا في رحلة صيد برّي بحثًا عن طعام يسد جوع أهلهم في وقت عصيب. يحملان أقواسهما وسهامهما ويقفان على قمة جبلية ويتطلعان نحو الأسفل باحثين عن صيد أو طريدة. وأدرك الصيادان طيفًا يتقدم باتجاههما بطريقة مريبة. وعندما اقترب ذلك الطيف الغامض منهما فوجئا بأنّه كان لامرأة جميلة ترتدي ملابس من جلد أبيض مذهل، هذه المرأة كانت “بتسان واي”. وكانت تحمل شيئًا كالصرة على ظهرها، داهمت أحد الصيادين أفكار سيئة تجاه المرأة ووشى لصاحبه بما يفكر. لكن الآخر نصحه بترك تلك الهواجس؛ لأنّ هذه المرأة تبدو وكأنها غير عادية وربما تكون حاملةً لرسالة ما.
دنت المرأة منهما وأمرت الصياد الذي أراد بها شرًا أن يتبعها وعندما امتثل أمامها غطته بسحابة غيم كثيفة. وبعد انزياح الغيمة كانت المرأة تقف مكانها وتحت قدميها كانت الأفاعي تأكل عظام الرجل الشقي. اقتربت المرأة من الصياد الآخر وهمست بأذنه أنّها آتية في سبيل إنقاذ شعبه. وطلبت منه العودة لقبيلته وإعلام زعيم قومه أن يقوم باعداد خيمة “تيبي” تسع الجميع. وأن يحشد أفراد القبيلة كلهم استعدادًا لاستقبالها كي تخبرهم شيئًا هامًا.
رسالة المرأة
رجع الرجل إلى قبيلته وأخبر الزعيم برسالة المرأة، وبسرعة أمر الرئيس بتشييد خيمة كبيرة. ونادى كل أهل القبيلة للاجتماع بعد أن زفّ لهم الخبر السعيد بأنّ الروح العظيمة بعثت لهم رسالة مع امرأة مقدسة. وبعد بناء الخيمة الجديدة بدأ شيء غريب يدنو من جمهرة الناس وفجأة دخلت المرأة القديسة وسطهم ووقفت أمام الزعيم. أنزلت ما تحمل على ظهرها وحملته بيديها وطلبت من الزعيم وهي تعطيه له أن يحفظه ويعتني به. كانت صرة صغيرة يسمح برؤية محتواها الطاهرون فقط، كانت الصرة تغطي غليونًا مقدسًا. يتيح هذا الغليون لهم إيصال دعواتهم وصلواتهم إلى السماء.
أظهرت المرأة الغليون من الصرة وقالت لسكان القبيلة أنّهم بهذا الغليون المقدس سيتواصلون مع السماء وتتبارك خطواتهم في الأرض. ثم شرعت توضح لهم طقوس وخطوات استخدام الغليون لارسال الصلاة وتبليغ الدعاء وإجابة السماء لكل ما يحتاجه شعب القبيلة المبارك. وبعد ما أنهت المرأة مهمتها بدأت تعدّ عدتها للرحيل، لكنها قبل أن تغيب أوصت الرئيس بأن يحفظ الغليون ويستمر بالصلاة وينفّذ كل تعاليمها. ثم اختفت بين النباتات بعد أن ودعت الجميع، ولا زال الهنود الحمر إلى الآن يروون قصة المرأة الجميلة والغليون المقدس ويؤمنون بها.