حوارات و تقارير

القاعدة الوحيدة لأسطولها البحري..4 أسئلة تجيب عن سبب ضم روسيا لجزيرة القرم

دعاء رحيل
 
 
تتجاوز الأهمية الاستراتيجية لشبه جزيرة القرم بالنسبة لروسيا النواحي الجيوسياسية والتاريخية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، لتشمل كذلك مجال أمن الطاقة والتعاون مع البلدان الأخرى.
 
وتعتبر في الوقت ذاته من أهم عناصر طموح موسكو في ترسيخ مكانتها كمركز مؤثر في العالم الناشئ المتعدد المراكز، والذي برأيها، يتطلب منها خلق علاقات بناءة وذات مغزى في المقام الأول مع الدول الشريكة في الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين والبحر الأسود، وكذلك في آسيا في إطار مجموعة البريكس، خصوصا مع التنامي الهائل لدور “العامل الصيني” في القرن الـ21.
 

ما مكانة القرم في الصراع بين روسيا والغرب في الحرب مع أوكرانيا؟

وعلى هذا الأساس، لم يكن مفاجئا أن تعلن روسيا بعد ضمها شبه الجزيرة في مارس 2014، عن نيتها الاستخدام الكامل للإمكانات الجيواستراتيجية لشبه الجزيرة، ومواصلة تطوير أسطول البحر الأسود الروسي.
 
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة بحر قزوين والبحر الأسود ليست محصورة فقط بالبلدان المجاورة، ولكن أيضا بالمعنى الجيو سياسي الأوسع لتطوير (الاتحاد الأوراسي) كما تريده روسيا، وتنفيذ الاستثمارات والمشاريع الكبرى داخل مجموعة دول البريكس، وهو ما يمنح القرم أهمية إستراتيجية إضافية بالنسبة للكرملين.
 
ورغم أن سيطرة روسيا على القرم منحها عوامل قوة إضافية في البعد العسكري للصراع مع الغرب، وبشكل أكبر في الحرب الدائرة مع أوكرانيا، فإن المكاسب التي حققتها موسكو من خلال ذلك شملت أبعادا أخرى لا تقل أهمية، ساهمت من بين أمور أخرى، في ضمان تأييد شعبي واسع لما تسميه بالعملية العسكرية الخاصة.
 
فقد أدت، بالدرجة الأولى، إلى ارتفاع يوصف في روسيا بغير المسبوق في الوعي الذاتي والشعور القومي، انعكس في وصول شعبية الرئيس فلاديمير بوتين إلى أقصى حد منذ توليه السلطة لأول مرة في العام 2000، مع توحيد المجتمع بشكل كبير حول القيادة السياسية. كما حصل الوضع الديموغرافي في روسيا على زخم بسبب زيادة عدد السكان، بما في ذلك حوالي مليوني شخص من أصول روسية من سكان شبه الجزيرة أصبحوا مواطنين روس.
 
 

ما نطاق الأهمية العسكرية للقرم؟

شكلت الحرب الباردة اختبارا إضافيا لأهمية القرم من الزاوية العسكرية، نظرا للدور الذي لعبه أسطول البحر الأسود بالمواجهة في منطقة البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ضد الأسطول السادس لحلف شمال الأطلسي، ودوره في تأمين الحدود الجنوبية للاتحاد السوفياتي.
 
وحاليا، تعتبر شبه جزيرة القرم بمثابة “حاملة الطائرات غير القابلة للغرق” لروسيا، والتي لا يمكن لأي قوة بحرية أن تحلم بها، كما يكتب الروس عن ذلك بفخر على الشبكات الاجتماعية.
 
وإلى جانب القاعدة العسكرية لأسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، أدى ضم روسيا للقرم في 2014 إلى منح موسكو إمكانية استخدام موانئ أخرى في شبه الجزيرة (على وجه الخصوص بالاكلافا)، ومركز اتصالات الفضاء العميق في إيفباتوريا، بالإضافة إلى عدد كبير من المعدات العسكرية والسفن والبنية التحتية، والتي انتقلت ملكيتها إلى وزارة الدفاع الروسية، مما أسهم في المحصلة بتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية على حد سواء بالنسبة للقوات الروسية.
 
بالإضافة إلى ذلك، فإنه في حال انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فإن موسكو من خلال شبه جزيرة القرم، ستكون قادرة على محاصرة أوكرانيا من 3 جهات مع دول الاتحاد الجمركي.
 
وبشكل عام تلعب شبه جزيرة القرم دورا كبيرة في تعزيز القدرات العسكرية التكتيكية والإستراتيجية لروسيا، كونها تمتد إلى عمق حوض آزوف والبحر الأسود من الشمال. ويقع طرفه الجنوبي الغربي على مسافة صغيرة جدا من المضائق التي يرتبط من خلالها البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تأمين “خط بحري عسكري دافئ” يمتد إلى ميناءي طرطوس واللاذقية في سوريا، حيث القاعدة الروسية هناك.
 
كما تتمتع بأهمية إستراتيجية خاصة في الاتجاه الحيوي الجنوبي الغربي، ويكاد لا يجادل أحد، في أن السيطرة عليه ستحدد مسار ونتائج الأعمال العدائية الافتراضية في كل من البحر الأسود والبلدان المجاورة له، كما تظهر الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا.
 
 
هو بالأساس مكان تتركز فيه المصالح الجيوسياسية المتنافسة لروسيا وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
 
أما بالنسبة لأوكرانيا، فتكمن مصلحتها حاليا بمضيق كيرتش، باعتباره طريقا بحريا يؤدي إلى موانئ بحر آزوف في ماريوبول وبيرديانسك وجينيشيسك، والجرف الشمالي الغربي للبحر الأسود بين شبه جزيرة القرم، إضافة للمشكلة العامة لأمن البحر الأسود.
 
أما بالنسبة لروسيا، فتلعب شبه جزيرة القرم بفضل موقعها الإستراتيجي دورا كبيرا في منحها ثقة أكبر في المواجهة الشاملة مع الغرب، خصوصا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار التحدي الجيوسياسي شبه الدائم المتمثل بإطلال 3 دول من حلف الناتو (تركيا ورومانيا وبلغاريا) على البحر الأسود، وتحد إضافي يتعلق بمشاركة دولتين خصمين لموسكو (أوكرانيا وجورجيا) فيما يسمى ببرنامج الناتو للشراكة من أجل السلام.
 
كما ترى روسيا أن القرم يؤمن لها إسنادا لوجستيا ومعلوماتيا مهما لقواتها في عملياتها داخل الأراضي الأوكرانية، تسمح لها بتحقيق أهدافها، وتقلل إلى الحدود الدنيا من هواجس أن يظل جنوب روسيا مكشوفا عمليا أمام التهديدات القادمة من البحر الأسود.
 

ما الأهمية الاقتصادية لشبه جزيرة القرم؟

تسبب انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا في استحواذها على جزء كبير من المنطقة الاقتصادية التي كانت في السابق تابعة لأوكرانيا، إلى جانب جميع الرواسب المعدنية الموجودة داخل حدودها والتي تقدر بملايين الأطنان من النفط (احتياطيات النفط المستكشفة محدودة نسبيا)، وعشرات المليارات من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي في منطقة كازانتيب.
 
ووفقا لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، تنتج القرم 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا تتجاوز احتياجات شبه الجزيرة. كما أن حجم الموارد التي يمكن استخدامها كنتيجة للاستكشاف الإضافي تبلغ حوالي تريليوني متر مكعب.
 
كما تسمح موانئ المياه العميقة لشبه الجزيرة في كيرتش وفيودوسيا وسيفاستوبول لروسيا بالحصول على قدرات ميناء إضافية.
 
إضافة لذلك، تم نقل عدد كبير من المؤسسات الصناعية والزراعية الموجودة في القرم إلى روسيا. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى الصناعة الكيميائية وبناء السفن والهندسة الميكانيكية وصناعة النبيذ وصناعة معالجة الأسماك.
 
ويرجع الفضل إلى شبه جزيرة القرم في توفير روسيا تكاليف بناء قاعدة بحرية ثانية لأسطول البحر الأسود في نوفوروسيسك، كما أن روسيا تخلصت بضمها للقرم من دفع بدل إيجار القواعد العسكرية في شبه الجزيرة، كما كان عليه الحال في السابق، فضلا عن رسوم الإمدادات لهذه القواعد، وكذلك مرور السفن والبضائع عبر مضيق كيرتش (حوالي 200 مليون دولار سنويا).

ما الدور الذي تلعبه مدينة سيفاستوبول في المنظومة العسكرية البحرية بالنسبة لروسيا؟

 
سيفاستوبول تعني باليونانية “المدينة الشهيرة – مدينة المجد، العظمة”، وحفل تاريخها بالأحداث والمآثر الهامة. فقد لعبت دورا رئيسيا في حرب القرم (1853-1856). وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت واحدة من أولى المدن السوفياتية التي تعرضت للهجوم من قبل القوات الألمانية التي حولتها إلى أنقاض قبل أن تتمكن القوات السوفياتية من تحريرها في مايو 1944.
 
تختلط في سيفاستوبول مفاهيم المدينة والقاعدة الرئيسية لأسطول البحر الأسود. وقد شكل انهيار الاتحاد السوفياتي ضربة كبيرة لأسطول البحر الأسود آنذاك، إذ ذهبت شبه جزيرة القرم ومعها قاعدة سيفاستوبول العسكرية إلى أوكرانيا، بعد أن كان 70% من البنية التحتية الكاملة لأسطول البحر الأسود الروسي تقع على أراضي شبه جزيرة القرم.
 
في الوقت نفسه، لا يزال هناك عدد غير قليل من المطارات في شبه جزيرة القرم التي تم التخلي عنها منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي لسنوات عدة لم يصل إليها الجيش الروسي بسبب ضيق الوقت والإمكانيات المادية.
 
من حيث المبدأ، هي أفضل مكان لتمركز أسطول البحر الأسود، كون القاعدة البحرية في نوفوروسيسك ليست مناسبة لذلك لعدة أسباب، من بينها الموقع الجغرافي، والظروف المناخية (رياح قوية تتسبب بمشاكل كبيرة للسفن الحربية). بالإضافة إلى ذلك، فإن المطارات الموجودة في شبه جزيرة القرم (حاملة طائرات طبيعية) تسمح لروسيا بالتحكم في منطقة البحر الأسود بأكملها تقريبا.
 
حاليا، تتمركز فيها فرقة الطيران المختلطة الـ27 التابعة للجيش الرابع للقوات الجوية والدفاع الجوي التابعة لقوات الفضاء في شبه جزيرة القرم، وفوج الطيران المختلط 37 الموجود في مطارات جانكوي وبيلباك وغفاردييسكيه، وفوج الطيران المقاتل الـ38 الذي يتضمن عددا من الطائرات الهجومية والدفاعية وطائرات الاستطلاع وغيرها من الأسلحة.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى