مرأه بدوية

قطر الندى.. الأميرة الجميلة التي وقعت ضحية “دهاليز السياسة”

أسماء صبحي

زواج سياسي بكل ما تحويه دهاليز السياسة من مكر وخداع، وكانت الضحية هي الأميرة الفاتنة الجميلة قطر الندى (أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون). والتي ضحى بها والدها “خمارويه” على مذبح أطماعه حين زوجها أبوها من الخليفة العباسي المعتضد بالله.

أراد خمارويه شراء السلام مع الخليفة العباسي المعتضد بالله المشهور بدهائه وقسوته وأحقاده. فأرسل له خمارويه التحف والهدايا وسأله أن يزوج ابنته قطر الندى من المكتفي ابن الخليفة وولي عهده في إطار معاهدة للسلام.

زواج قطر الندى

أراد الخليفة العجوز الداهية أن يفسد خطة خصمه العنيد “خمارويه” حاكم مصر والد “قطر الندى”. فطلب أن يتزوج هو نفسه الأميرة الصغيرة حتى لا يكون لخمارويه تأثير على مستقبل الخلافة العباسية من خلال صلته بابنه وولي عهده. وما ستأتي به الاميرة المصرية من أبناء وحرمانه من بناء نفوذه المستقبلي في الدولة العباسية.

حزنت الأميرة الصغيرة حين عرفت أن الخليفة العجوز رفض تزويجها من ابنه الشاب ورغبته فى الزواج منها. وأراد خمارويه أن يسترضي ابنته فعزم على أن يكون زفافها وجهازها من أساطير التاريخ. حيث كان الخليفة العباسى يلح على أن يكون جهاز العروس الصغيرة بالغ الثراء والترف على الرغم من أنه لم يدفع صداقاً إلا مبلغاً نقدياً قدره ألف ألف درهم.

وكان الثمن الذي أرضى به ابنته الساذجة هو جهاز فخم أسطوري دخل موسوعة التاريخ القياسية، إذ لم يسمع به أحد من قبل.

قافلة العروس

وتحدث المؤرخون عن قافلة العروس ـ قطر الندى ـ وكيف حمّلت هذه القافلة ما لم تره عين أو تسمع به أذن. أربع قطع من الذهب عليها قبة من ذهب مشبك. في كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة من الجواهر لا تعرف لها قيمة. دكة من الذهب، تضع عليها قدمها، كلما دخلت إلى حجرتها. مائة هاون من الذهب يدق فيها العود والطيب، ألف مبخرة من الذهب. وألف تكة ثمنها عشرة آلاف دينار و”التكة بنطلون حريمي داخلي” ومئات الصناديق المحتوية على الملابس، والاقراط، والسلاسل الذهبية، وفصوص من الاحجار الكريمة.

يقول والمقريزي إن ابن الجصاص المشرف على هذا الجهاز الأسطوري بعد أن فرغ من إكمال الجهاز ذهب إلى خمارويه يقدم الكسر الذي بقي معه وهو أربعمائة ألف دينار، فأعطاها له خمارويه.

ويقول ابن الجوزي ـ في العراق ـ أن خمارويه أعطى ابن الجصاص مائة ألف دينار أخرى بعد أن اشترى ذلك الجهاز الخرافي من مصر. وقال له: “لعل بالعراق ما نحتاج إليه ولا يكون موجوداً معك بالجهاز. فلم يجد ابن الجصاص شيئاً يشتريه، فأخذ لنفسه الأموال”.

موكب العروس

أمر خمارويه والي مصر أن يبني لابنته قطر الندى على رأس كل مرحلة من مراحل الطريق الطويل، فيما بين الفسطاط (القاهرة) وبغداد، قصرا تنزل فيه. معدا بكل ما تحتاجه العروس في سفرها من الراحة وأسباب الرفاهية. فتشعر وكأنها في كل قصر تنزل فيه بأنها لم تفارق قصرها في القاهرة.

خرج فى موكب العروس عمها شيبان بن أحمد بن طولون وجماعة من الأعيان بالإضافة إلى ابن الجصاص الجوهري. ويقول المؤرخون إنهم كانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فإذا وصلت إلى المحطة نزلت فوجدت قصراً فاخراً مجهزاً بكل أنواع المفروشات والستائر. وبكل أنواع التسهيلات والمؤن للإقامة والراحة، وبعد الاستجمام يواصلون السير إلى محطة أخرى حيث يستقبلهم قصر آخر.

وحين وصل موكب العروس إلى بغداد ليلًا بين آلاف الشموع والمشاعل. دخل موكب قطر الندى قصر دار صاعد انتظارا لزوجها الخليفة الذى كان خارج بغداد منشغلًا في حروبه. وفى ي يوم الزفاف كانت هناك احتفالات أخرى لم تر بغداد مثلها، على امتداد تاريخها.

ونودي بألا يعبر أحد نهر دجلة وأن تغلق أبواب الدروب والطرقات التي تفتح على شاطيء دجلة. كما ومنعوا الناس من سكان الشاطئ من الظهور، فلما آن وقت العشاء جاءت سفينة من دار المعتضد فيها الخدم ومعهم الشموع ورست السفينة مقابل “دار صاعد” حيث تقيم قطر الندى. ومعهم أربع سفن صغيرة تحمل النفط لتضىء الشموع، وقد شدوها بحبال، وانتقلت قطر الندى من دار صاعد إلى السفينة. ثم منها إلى دار المعتضد فأقامت فيه يوم الإثنين في جناح خاص بها، ثم دخل بها يوم الثلاثاء الخامس من ربيع الأول سنة 282هـ.

ومن الطريف أن الأميرة المسكينة ذات الجهازها الأسطوري، دخلت في أطوار النسيان في قصور الخلافة العباسية. فلم يسمع عنها أحد إلى أن ماتت مقهورة في عمر الربيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى