تاريخ ومزارات

الشبك في العراق.. أقلية عريقة بين التراث والاندثار

يعيش أبناء قومية الشبك في العراق منذ قرون طويلة، ويركز وجودهم في قرى سهل نينوى شمال البلاد، و ويقدر عددهم بين 250 و350 ألف نسمة وفق إحصائيات غير رسمية، وتتميز هذه المجموعة بعادات وتقاليد خاصة جعلتها مميزة عن باقي القوميات، رغم التعايش الطويل مع العرب والكرد والتركمان والمسيحيين والإيزيديين.

الشبك أصل متنازع عليه وتاريخ ممتد

تختلف الروايات حول أصول الشبك، لكن معظم الباحثين يتفقون على أنهم من المكونات الأصلية لمحافظة نينوى، وتشير بعض المصادر إلى وجودهم منذ أواخر العهد العباسي، بينما ذكرتهم الوثائق العثمانية كجماعة مستقلة منذ القرن السادس عشر.

ويرجح ناشطون أن دخولهم الحقيقي للعراق تم في القرن الثامن عشر خلال الحملة الثانية للقائد الإيراني نادر شاه على الموصل، ويتوزع سكانهم اليوم على مركز مدينة الموصل وأقضية مثل تلكيف والحمدانية، ونواحي برطلة وبعشيقة والنمرود، ويمتد تواجدهم عبر أكثر من 65 قرية تقع بين نهري دجلة والخازر وصولاً إلى جبل النوران شمالاً.

أصل التسمية 

يرى البعض أن اسم “الشبك” مشتق من تعاون بين “الشاه” الفارسي و”البيك” التركي، فاختصر اللفظ إلى “شبك”، فيما يشير آخرون إلى أنهم عرفوا سابقاً باسم “الكمبهية” لأن منازلهم كانت تبنى على شكل قبب، أو “كمبة” بلغتهم، ويؤكد شيوخهم أن التسمية ناتجة عن تشابك عشائر متعددة تتحدث لهجة واحدة، فصارت تسمى الشبك.

الشبك مسلمون، وينقسمون بين السنة والشيعة، وقد اتسموا دائماً بالتسامح والتعايش مع باقي الطوائف، وكان لطريقة البكتاشية الصوفية حضور قوي بينهم في الماضي، حيث كانوا يقدمون النذور في رأس السنة طلباً للمغفرة، لكن هذه العادة اختفت مع الزمن.

العادات والتقاليد وخصوصية المرأة

تشبه عادات الشبك إلى حد كبير العادات العربية والإسلامية في مجالس العزاء وحفلات الزواج، لكن لديهم ملامح فريدة، فالفتاة والمرأة تتمتعان بمكانة مميزة في المجتمع وفي الأعراس، تستخدم الطبل والزرنة في رقصة فلكلورية خاصة، ويرشّ الحنطة والشعير تبركاً، كما يكسر جرة صغيرة تحت قدم العروس.

وتشير الأعلام الملونة بألوان قوس قزح في القرى إلى وجود عرس، وتشتهر العائلات الشبكية ببساطتها في طلبات الزواج وانخفاض المهور، أما في الدفن، فيختار الشبك التلال العالية كمقابر، ويسمونها “التبه”.

كان الزي التقليدي للرجل الشبكي يتكون من دشداشة بيضاء قصيرة نسبياً، و”دمير” مطرّز بطراز خاص، وعمامة بيضاء تختلف حسب الحالة الاجتماعية، حيث كان الأثرياء يستوردون ملابسهم من الهند، لكن هذا اللباس اندثر اليوم.

ويتميّز المجتمع الشبكي بتماسكه القوي، إذ يحرص أفراده على التزاور المستمر، وهو ما عزّز الروابط الأسرية والاجتماعية بينهم، خلافاً لما تشهده بعض المجموعات الأخرى من تفكك.

يتحدث الشبك مع الآخرين بالعربية، لكنهم يستخدمون بينهم لغة خاصة تعرف بالشبكيّة أو “ماجو”، وهي مزيج من المفردات الكردية والفارسية والعربية والتركمانية. ويعتقد باحثون أن هذه اللغة من لهجات الكردية، بينما يرى آخرون أن جذورها أذرية أو هندآرية.

ومع تأثرها باللغات المجاورة، لم تحظ اللغة الشبكية بأي اهتمام رسمي أو ثقافي يُذكر، ولم تُدوّن ككتاب أو منهج دراسي، ما جعلها تقتصر على كونها تراثاً شفوياً مهدداً بالانقراض.

وجوه ثقافية وقيادية من الشبك

أثّرت شخصيات شبكيّة في تاريخ المنطقة، مثل حسين آغا ضابط الجيش العثماني، والأخوين خورشيد ورشيد آغا اللذين قادا حركة ضد الإقطاع، والشاعر الصوفي عزيز آغا، والكاتب ملا حسن بن محمود.

كما برز في العصر الحديث أدباء وشعراء مثل سيد حر، سالم الشبكي، عارف الداودي، علي باجلان، فراس زندار، وحازم خضراني، ورغم وجود قصائد مكتوبة بالشبكيّة، إلا أن اللغة ما زالت تفتقر إلى قواعد نحوية دقيقة، وتفتقر إلى التمييز بين المذكر والمؤنث كما في العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى