قبائل و عائلات

قبيلة بني حمود.. من سلالة الأشراف إلى عرش مالقة في الأندلس

أسماء صبحي – عندما انهارت الخلافة الأموية في قرطبة مطلع القرن الحادي عشر، برزت عدة قوى متنافسة لتملأ الفراغ السياسي. من بين هذه القوى ظهرت قبيلة بني حمود التي امتلكت شرعية خاصة باعتبارها من الأشراف العلويين أي من نسل الحسن بن علي رضي الله عنهما. هذا النسب جعلهم مختلفين عن بقية الأسر الحاكمة في الأندلس. حيث لم يكتفوا بمجرد تأسيس طائفة محلية بل سعوا لإحياء فكرة الخلافة تحت راية آل البيت.

أصول قبيلة بني حمود

ينحدر بنو حمود من الحجاز، وانتقل أجدادهم إلى المغرب الأقصى حيث استقروا لفترة طويلة. وهناك ازداد نفوذهم، وباتوا جزءًا من التركيبة السياسية والعسكرية في شمال إفريقيا. ومع ضعف الأمويين في الأندلس، شجعهم نسبهم العلوي ومكانتهم الاجتماعية على الانتقال إلى شبه الجزيرة الإيبيرية والمطالبة بدور أكبر في الحكم.

دخولهم الأندلس

مع اندلاع الفتن وسقوط قرطبة كعاصمة للخلافة الأموية عام 1031م. وجد بنو حمود الفرصة مواتية لإعلان أنفسهم قوة مستقلة. وقادهم في البداية علي بن حمود الناصر، الذي دخل مالقة وأعلن نفسه خليفة، مدعيًا أحقيته بالقيادة بوصفه من آل البيت. وهذا الإعلان كان له وقع كبير، إذ أعاد للأذهان فكرة الخلافة، لكنه أثار أيضًا مخاوف بقية القوى السياسية في الأندلس.

تأسيس دولتهم

تمكن بنو حمود من السيطرة على مالقة، وجعلوها مركزًا لحكمهم. سرعان ما توسع نفوذهم إلى مدن أخرى مثل الجزيرة الخضراء والجزء الجنوبي من الأندلس. ورغم أن حكمهم لم يمتد طويلًا، فإن دولتهم كانت من أكثر الكيانات السياسية تميزًا في عصر ملوك الطوائف، بسبب الشرعية الدينية التي كانوا يتكئون عليها.

التحديات والصراعات

واجه بنو حمود معارضة شديدة من الأسر الأخرى مثل بني عباد في إشبيلية وبني زيري في غرناطة إلى جانب الممالك المسيحية في الشمال. كما أن فكرة إعلان الخلافة تحت رايتهم لم تلقَ إجماعًا في الأندلس حيث اعتبرها البعض محاولة لاحتكار السلطة باسم النسب الشريف. وهذا الوضع أدى إلى صراعات داخلية وانقسامات في صفوف بني حمود أنفسهم مما أضعف دولتهم وأفقدها القدرة على الصمود.

الإرث السياسي والفكري

رغم قصر مدة حكمهم، إلا أن لبني حمود مكانة خاصة في تاريخ الأندلس. فقد كانوا من أوائل من رفعوا شعار “الخلافة” بعد سقوط قرطبة. وأدخلوا عنصرًا جديدًا في التنافس السياسي، حيث امتزج البعد القبلي بالنسب الشريف مع الطموح العسكري.

في عهدهم، شهدت مالقة نهضة عمرانية ملحوظة، إذ عززوا تحصيناتها وشجعوا على النشاط التجاري فيها نظرًا لموقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط. وقد أصبحت المدينة بفضلهم ميناءً مهمًا يربط الأندلس بالمغرب، ومركزًا للتبادل التجاري بين الشرق والغرب.

ويقول الدكتور أحمد الطحاوي، الباحث في التاريخ الإسلامي، إن قبيلة بني حمود كانوا حالة فريدة في تاريخ الأندلس. فبينما انشغلت الطوائف الأخرى بتوسيع رقعة نفوذها السياسي والعسكري، حاول بنو حمود أن يضفوا على حكمهم شرعية روحية مستندة إلى نسبهم من آل البيت. صحيح أن تجربتهم لم تستمر طويلًا، لكنها تكشف لنا كيف كان الانتماء القبلي والنسبي قادرًا على تغيير موازين القوى في تلك المرحلة المضطربة.

نهاية دولتهم

بحلول منتصف القرن الحادي عشر، ضعفت دولة بني حمود تدريجيًا نتيجة الضغوط العسكرية من خصومهم والانقسامات الداخلية. وسرعان ما تراجع نفوذهم لصالح قوى أخرى أكثر تنظيمًا مثل بني عباد والمرابطين. ومع ذلك ظل اسمهم حاضرًا في الذاكرة التاريخية للأندلس باعتبارهم أول من حاولوا إعادة فكرة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى