المعتمد بن عباد.. الملك الشاعر الذي جسد مأساة القبيلة في الأندلس

أسماء صبحي – عندما نقرأ تاريخ الأندلس نجد أسماءً ارتبطت بالبطولة وأخرى ارتبطت بالمأساة. ومن بين هذه الأسماء يبرز المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد في إشبيلية. فلم يكن مجرد حاكم قبلي ينتمي إلى عائلة عربية عريقة من الأزد. بل كان شاعرًا رقيقًا عاش صراعًا بين شغفه بالأدب وبين قسوة السياسة. وقد انتهت حياته أسيرًا في المنفى ليترك قصة تجمع بين المجد والانكسار.
أصول المعتمد بن عباد
المعتمد بن عباد هو محمد بن عباد بن إسماعيل بن قريش من بني عباد الذين تعود جذورهم إلى الأزد، وهي من كبريات القبائل اليمنية. وتمكنت هذه الأسرة من تأسيس مملكة قوية في إشبيلية وأصبحت إحدى الأسر القبلية الأكثر نفوذًا في عصر ملوك الطوائف. لقد مثل بنو عباد امتدادًا للروح القبلية في الأندلس، لكنهم حاولوا صياغتها في شكل دولة حضارية.
نشأته وتعليمه
نشأ المعتمد في بيئة غنية بالثقافة والأدب، فكان أبوه المعتضد بن عباد من أبرز ملوك الطوائف. وتلقى تعليمًا مميزًا في الشعر والفقه واللغة حتى صار شاعرًا فذًا قبل أن يكون ملكًا. ومنذ شبابه ارتبط اسمه بالحب والشعر خاصة مع قصة حبه الشهيرة لزوجته اعتماد الرميكية التي أصبحت رمزًا للوفاء الزوجي في التراث الأندلسي.
صعوده إلى الحكم
تولى المعتمد الحكم بعد وفاة أبيه عام 1069م وورث مملكة مترامية الأطراف عاصمتها إشبيلية. ومع أنه كان شاعرًا مرهفًا إلا أن ظروف الحكم أجبرته على اتخاذ قرارات سياسية صعبة. من أبرزها مواجهة زحف مملكة قشتالة بقيادة ألفونسو السادس.
إنجازاته السياسية والعسكرية
من أبرز إنجازاته أنه شارك في استدعاء دولة المرابطين من المغرب لمساعدة ملوك الطوائف في معركة الزلاقة عام 1086م. وقد حقق المسلمون نصرًا عظيمًا بقيادة يوسف بن تاشفين وكان للمعتمد دور بارز في هذه المعركة التي أوقفت زحف الإسبان لسنوات طويلة. لكنه دفع ثمن هذه الخطوة لاحقًا حين استولى المرابطون على مملكته وأسروه.
شخصيته الأدبية
المعتمد لم يكن ملكًا عاديًا فقد كان شاعرًا رقيقًا ترك ديوانًا شعريًا يعكس صدق مشاعره خاصة في منفاه بمدينة أغمات بالمغرب. كتب قصائد مؤثرة عن الحنين إلى إشبيلية وعن معاناته مع أسرته في الأسر وأصبحت هذه الأشعار وثيقة حيّة لمأساة ملوك الطوائف.
نهايته المأساوية
بعد أن أطاح به المرابطون تم نفيه إلى مدينة أغمات في المغرب. حيث عاش سنوات طويلة في الأسر مع زوجته وأولاده. وهناك كتب أجمل قصائده وأكثرها ألمًا، حتى توفي عام 1095م. وهكذا انتهت قصة أحد أعظم ملوك الأندلس، تاركًا وراءه إرثًا من الشعر والسياسة والمأساة.



