الزجاج النسائي البدوي: قطعة فنية تحمل ذاكرة الصحراء
أسماء صبحي – في عمق الصحراء وبين رمال البادية لم يكن الزجاج مجرد مادة تستعمل في الحياة اليومية. بل تحول في أيدي النساء البدو إلى قطعة فنية تحمل هوية وثقافة. الزجاج النسائي البدوي ليس مجرد حلية ترتدى للزينة بل هو رمز متكامل يعكس روح القبيلة ويترجم علاقتها بالطبيعة والبيئة المحيطة. وهذه القطع الصغيرة الملونة التي ارتدتها النساء البدو منذ قرون طويلة كانت بمثابة مرآة للروح البدوية تعكس جمالها وتُسجّل قصصها.
أصول الزجاج النسائي
يعود استعمال الزجاج في الزينة عند البدو إلى قرون طويلة تأثراً بالطرق التجارية القديمة التي ربطت بين مصر وبلاد الشام وشمال الجزيرة العربية. وكانت القوافل التي تعبر الصحراء تحمل معها حبات الزجاج الملون. فيتلقفها البدو ويعيدون تشكيلها لتصبح أساور وقلائد وخرزاً يُطرّز على الملابس.
المرأة البدوية كانت تصنع من هذه القطع أدوات رمزية. تلبس في المناسبات والأعراس، وتحمل في داخلها دلالات اجتماعية مثل:
- المكانة الاجتماعية للعروس.
- رموز الحماية من الحسد والعين.
- ارتباط المرأة بقبيلتها وهويتها.
أشكال الزجاج النسائي البدوي
لم تكن قطع الزجاج واحدة الشكل أو اللون بل تميزت بتنوعها ودقتها، ومن أبرز أشكالها:
- الأساور الزجاجية: غالباً ما تكون بألوان زاهية كالأحمر والأخضر والأزرق. وترتدى في اليدين لتعكس بريقاً عند التعرض لأشعة الشمس الصحراوية.
- القلائد المزينة بالخرز الزجاجي: تلبس حول العنق وتعتبر من أهم قطع الزينة في الأعراس.
- الزجاج المطرو على الملابس: يخاط الزجاج الملوّن على أثواب النساء السوداء أو المطرزة بالحرير فيمنحها إشراقاً خاصاً.
- الأدوات الرمزية الصغيرة: مثل حبات الزجاج التي تحفظ في أكياس صغيرة لحماية الأطفال من الحسد أو كرمز للخصوبة.
الوظائف الثقافية والرمزية
الزجاج النسائي البدوي لم يكن مجرد عنصر جمالي بل كان محملا بالمعاني:
- الحماية الروحية: ارتبط الزجاج الأزرق على وجه الخصوص بمعتقدات البدو أنه يصد العين الشريرة.
- التعبير عن المكانة الاجتماعية: كلما ازدادت زخرفة المرأة بالزجاج الملوّن دلّ ذلك على مكانة أهلها.
- الجمال والتعبير الفني: المرأة البدوية كانت ترى في الزجاج وسيلة لإبراز أنوثتها وجمالها وسط مجتمع صحراوي محافظ.
تقنيات التصنيع
الزجاج لم يكن يصنع محلياً عند البدو، بل كان يستورد على شكل خرز أو قطع أولية لكن المهارة كانت في طريقة إعادة تشكيله وتطويعه. والنساء البدو كن يجلسن في الخيام ليحولن الخرز الزجاجي إلى أشكال مختلفة عبر الخيطان الطبيعية أو الأسلاك المعدنية البسيطة. ولم تكن هذه العملية مجرد عمل يدوي، بل كانت طقساً اجتماعياً نسائياً تتجمع فيه النساء لتبادل الحكايات والأغاني أثناء التصنيع.
مع مرور الوقت، ومع دخول البلاستيك والمعادن الرخيصة تراجع استعمال الزجاج البدوي التقليدي. إلا أن العقود الأخيرة شهدت إحياءً لهذه الحرفة من خلال مبادرات ثقافية تهدف للحفاظ على التراث. وكثير من المتاحف والمراكز التراثية في فلسطين والأردن وسيناء باتت تعرض هذه القطع كجزء من الهوية البدوية الأصيلة.



