العمارة التقليدية في الإمارات: من البراجيل إلى ناطحات السحاب

أسماء صبحي – العمارة التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة ليست مجرد بناء من الطين أو الزجاج، بل هي قصة حضارة تتنقل بين حقبتين. من البساطة والانسجام مع البيئة في الماضي، إلى الإبداع الحديث الذي يلامس السحاب. ويجمع المشهد المعماري في الإمارات بين تراث غني عبر قرون. وابتكار متسارع جعل مدنها من أبرز حواضر العالم المعماري اليوم.
البراجيل… مكيفات الصحراء الطبيعية
في الزمن الماضي، وقبل الكهرباء والتكييفات، اعتمد أهل الإمارات على “البرجيل” أو ما يعرف بـ”برج الهواء”. وهو عنصر معماري تقليدي وذكي كان يبنى على سطح البيوت ليعمل كمكيف طبيعي. كما يلتقط البرجيل نسمات الهواء ويوجهها إلى الداخل، مما يخفف حرارة الصيف الصحراوي القاسي.
وكان البرجيل رمزًا للبيوت الإماراتية، خاصة في دبي والشارقة، وغالبًا ما يشاهد بجوار المجالس أو غرف النوم. وبالإضافة إلى وظيفته العملية، كان يعكس أيضًا المكانة الاجتماعية لصاحب البيت. فكلما ازداد عدد البراجيل، دل ذلك على رفاهية الأسرة.
مواد البناء في العمارة التقليدية
اعتمدت العمارة الإماراتية التقليدية على مواد محلية، مثل الحجر المرجاني، والجص، وجذوع النخل. وأوراقه المجففة “الخوص”، إضافة إلى الطين وسعف النخيل. وكانت هذه المواد متوفرة، وتتناسب مع المناخ القاسي، وتستخدم ببراعة في بناء البيوت والأسواق والمساجد والحصون.
ومن أبرز النماذج المعمارية القديمة: قلعة الفهيدي في دبي، وقصر الحصن في أبوظبي، وأسواق العرصة في الشارقة. وكلها تظهر جمال التفاصيل وتناسق المواد التقليدية.
تحول حضري ومعماري مذهل
مع اكتشاف النفط في منتصف القرن العشرين، بدأت الإمارات رحلة تحول عمراني سريع، وظهر طراز البناء الحديث مع دخول الخرسانة والزجاج والمعادن. وتغير شكل المدن، وبدأت ترتفع الأبراج وتتمدد الشوارع وتتوسع الضواحي، حتى أصبحت دبي وأبوظبي من أكثر المدن تطورًا من حيث البنية التحتية.
ناطحات السحاب مثل “برج خليفة” – أطول مبنى في العالم – أصبحت اليوم رمزًا للإبداع الإماراتي، لكنها في ذات الوقت لا تنفصل عن الهوية. فحتى هذه الأبراج تحاول، في كثير من تصاميمها، أن تمزج بين الموروث المعماري العربي والحداثة العالمية.
العمارة التقليدية الأصالة والابتكار
ما يميز العمارة الإماراتية المعاصرة أنها لم تتخلَّ عن جذورها، بل احتضنت التراث وأعادت تقديمه بشكل معاصر. فهناك اهتمام متزايد في السنوات الأخيرة بدمج العناصر التقليدية، مثل الأقواس والزخارف الإسلامية والبراجيل، في الأبنية الحديثة. كما تستخدم المواد القديمة أحيانًا في ترميم الأحياء التراثية. مثل “حي الفهيدي” في دبي و”الشارقة القديمة”، لإحياء روح الماضي في قلب المدينة.
العمارة في الإمارات هي شهادة حية على قدرة الإنسان على التطور دون أن ينسى جذوره. فمن البراجيل التي كانت تنثر الهواء البارد في بيوت الأجداد، إلى ناطحات السحاب التي تعانق الغيوم. تبقى الهوية الإماراتية حاضرة في كل طوبة وكل نافذة، تروي حكاية بلد جمع بين الصحراء والمدينة، وبين التقاليد والمستقبل.



