بين الأصالة والانفتاح.. كيف تحافظ سلطنة عمان على تراثها في ظل التحديث؟
أسماء صبحي – تعد سلطنة عمان نموذجًا فريدًا في التوازن بين الحفاظ على التراث والانفتاح على مظاهر التحديث. في عالم يشهد تغييرات متسارعة وتحولات ثقافية وتقنية عميقة. فمنذ عقود، تبنت عمان رؤية تنموية متوازنة تراعي خصوصيتها الثقافية والتاريخية. وفي الوقت ذاته، تسعى لمواكبة التطورات الحديثة دون التفريط في هويتها الوطنية.
التراث العماني
ويحظى التراث العماني، المتمثل في الحرف التقليدية، العمارة، اللباس، الموسيقى، والممارسات الاجتماعية، بمكانة راسخة في الوجدان الشعبي والسياسات الرسمية. فالأسواق الشعبية مثل سوق مطرح وسوق نزوى لا تزال نابضة بالحياة وتجسد روح الماضي. كما تعد القلاع والحصون مثل قلعة بهلاء وقلعة نزوى شاهدًا حيًّا على التاريخ العماني العريق. وتحرص الحكومة على ترميم هذه المعالم التاريخية وحمايتها بالتعاون مع منظمة اليونسكو. وقد أدرج بعضها ضمن قائمة التراث العالمي.
سلطنة عمان والاقتصاد العالمي
في المقابل، لم تغفل السلطنة أهمية التحديث والانخراط في الاقتصاد العالمي. فقد تبنت “رؤية عمان 2040” التي تركز على التنويع الاقتصادي، التحول الرقمي، وتطوير البنية التحتية، دون المساس بالقيم المجتمعية والثقافية. وتولي الرؤية أهمية خاصة للمحافظة على البيئة والثقافة، باعتبارهما جزءًا من التنمية المستدامة.
ومن أبرز مظاهر هذا التوازن، دمج التراث في المشاريع السياحية الحديثة. فعلى سبيل المثال، يجري تطوير الفنادق والمنتجعات وفق الطراز المعماري العماني. كما تنظم الفعاليات الثقافية والسياحية مثل مهرجان مسقط ومهرجان صلالة. لتقديم صورة حية عن الهوية العمانية بأسلوب عصري يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
الوعي الثقافي
أما على الصعيد التعليمي، فقد أدخلت المناهج الدراسية موضوعات تعزز الانتماء الوطني والوعي بالتراث بالتوازي مع التركيز على التكنولوجيا واللغات الأجنبية. وفي الإعلام، تنتج البرامج والمسلسلات التي تبرز التقاليد العمانية وتواكب في الوقت نفسه تطورات العصر.
وتشكل المرأة العمانية أيضًا مثالاً حيًا على التوازن بين الأصالة والانفتاح. فهي تحتفظ بزيها التقليدي وتشارك في المناسبات التراثية. لكنها أيضًا فاعلة في جميع مجالات العمل والتعليم والسياسة، ضمن إطار يحترم الخصوصية الثقافية للمجتمع.
وفي ظل كل هذه المعادلات الدقيقة، يبدو أن سر النجاح في سلطنة عمان يكمن في إدراك أن التراث ليس عائقًا أمام التقدم، بل ركيزة للانطلاق. فبدلاً من الانبهار الكامل بالنموذج الغربي أو الجمود في الماضي، اختارت عمان طريقًا ثالثًا يجمع بين الأصالة والانفتاح. ويقدم للعالم نموذجًا يحتذى به في التنمية المتوازنة.



