تاريخ ومزارات

عاصفة النورماندي التي هزت أركان الحرب العالمية الثانية

في صباح السادس من يونيو عام 1944، وتحت غيوم قاتمة وأمواج هائجة في بحر المانش، انطلقت واحدة من أضخم العمليات العسكرية في العصر الحديث، حيث بدأ إنزال النورماندي وسط أجواء مشحونة بالأمل والترقب، حيث شهد هذا اليوم بداية تحول كبير في مسار الحرب العالمية الثانية، وفتح الطريق أمام تحرير أوروبا من قبضة ألمانيا النازية التي فرضت سيطرتها على القارة لسنوات طويلة.

تاريخ عاصفة النورماندي

وصل عدد الجنود المشاركين في اليوم الأول من قوات الحلفاء إلى حوالي 156 ألف جندي، في إطار خطة ضخمة امتدت على مدى أشهر، هدفت إلى نقل ملايين المقاتلين من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وفرنسا الحرة ودول أخرى نحو بريطانيا، التي كانت تقاوم بثبات رغم ويلات الحرب، و رحبت القرى والمدن البريطانية بهؤلاء الجنود وقدمت لهم المأوى والتجهيزات اللازمة، بقيادة الجنرال الأمريكي دوايت آيزنهاور، القائد الأعلى لقوات الحلفاء، وبدعم من الجنرال البريطاني برنارد مونتغومري، قائد القوات البرية.

أطلق الحلفاء على الخطة السرية اسم عملية أوفرلورد، ووضعوا لها ترتيبات دقيقة للغاية، حيث فرضوا قيودًا صارمة على الضباط وتمت مراقبة تحركاتهم ورسائلهم بكل حذر، لضمان عدم تسرب أي معلومة للعدو الألماني، ونفذ الحلفاء عملية خداع استراتيجي بارعة سميت عملية فورتيتيود، خدعت ألمانيا وجعلتها تعتقد أن الهجوم المرتقب سيقع عند باس دي كاليه، وهي أقرب نقطة من بريطانيا، فركزت ألمانيا تحصيناتها هناك، ما ترك سواحل النورماندي أقل استعدادًا للدفاع.

تسببت الأحوال الجوية السيئة في تأجيل العملية يومًا كاملًا، وفي ليلة الخامس من يونيو، انطلقت المرحلة الأولى من الهجوم والمعروفة بعملية نبتون، أنزلت القوات حوالي 24 ألف مظلي أمريكي وبريطاني وكندي خلف خطوط العدو، بهدف تأمين الجسور والمواقع الحيوية، تزامن ذلك مع تحرك أسطول بحري هائل ضم 6880 سفينة و1200 طائرة حربية، ترافقه موجة بشرية قوامها 132 ألف جندي، توجهوا نحو خمسة شواطئ رئيسية هي يوتا، أوماها، غولد، جونو، وسورد.

مع طلوع الفجر، دوّت أصوات المعركة في كل أرجاء النورماندي، حيث شكّل توقيت الهجوم ومكانه مفاجأة مدوية للألمان، الذين ركزوا دفاعاتهم على كاليه متوقعين أن يكون هو الهدف الرئيسي، ورغم المفاجأة، واجه الحلفاء مقاومة شديدة، خاصة عند شاطئ أوماها، حيث تعرضت القوات الأمريكية لنيران كثيفة من التحصينات الألمانية، تكبدت القوات الأمريكية خسائر فادحة في الساعات الأولى، وسقط نحو 2400 جندي أمريكي على شاطئ أوماها فقط، ضمن حصيلة إجمالية لخسائر الحلفاء بلغت قرابة 10 آلاف جندي بين قتيل وجريح ومفقود، بينما قدرت خسائر الجيش الألماني بين 4 آلاف إلى 9 آلاف جندي.

وبالرغم من حجم التضحيات، تمكنت قوات الحلفاء من تحقيق هدفها في اليوم الأول، حيث نجحت في إنزال 156 ألف جندي على الشواطئ وتثبيت وجودها على الأرض، في الأسابيع التالية، استمرت العملية بتدفق القوات والمعدات من خلال موانئ اصطناعية ضخمة، كان أبرزها ميناء مولبيري، الذي استوحاه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وسعت هذه العملية إلى نقل ما يقارب مليوني جندي ومئات الآلاف من الأطنان من العتاد العسكري خلال الأشهر التي تلت، لتمهيد الطريق نحو تحرير فرنسا وباقي الأراضي الأوروبية من الاحتلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى