المزيد

 السلط.. المدينة الذهبية التي تجمع عبق التاريخ وروح التسامح

يعتبر مدينة السلط في المملكة الأردنية الهاشمية إحدى أيقونات التاريخ والتراث الإنساني، والتي عرفت بلقب أرض التين والعنب والمدينة الذهبية، حيث تميزت مبانيها بالحجارة الصفراء التي تشكل رمزًا لعراقتها. أصبحت السلط سادس موقع أردني ينضم إلى قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، وذلك باعتبارها نموذجًا حيًا للتسامح والتعايش الإنساني وأصول الضيافة الحضرية التي يتميز بها الأردن.

تاريخ السلط

تحتضن السلط أحياء قديمة ومنازل بنيت بهندسة معمارية مميزة تعكس الحضارات التي مرت عليها عبر العصور. تتجاور في هذه المدينة الكنائس والمساجد، وتترابط منازل المسلمين والمسيحيين في مشهد فريد يبرز جمال التعايش الديني وروح الوحدة التي تحتضنها السلط، لتكون مزيجًا رائعًا يجمع بين الحاضر والماضي.

تقع السلط في محافظة البلقاء إلى الغرب من وسط الأردن، على الطريق القديم الذي يربط عمان بالقدس، والمعروف حاليًا باسم طريق السلط، وتبعد حوالي 35 كيلومترًا عن العاصمة عمّان. كانت السلط العاصمة الأولى للأردن قبل أن تنتقل العاصمة إلى عمّان.

يعود اسم المدينة إلى أصول متعددة. فالبعض يرى أنه مستمد من الكلمة اللاتينية سالتوس، والتي تعني الغابة. بينما يعتقد آخرون أنه مشتق من الكلمة السريانية سلطا، والتي تعني الصخر القاسي. تعرف السلط بعروس البلقاء. وهي من أكبر المدن الأردنية من حيث عدد السكان، حيث يقطنها نحو 150 ألف نسمة. كما يجمعون بين الحضر والبدو ومن مختلف أصول بلاد الشام.

 إرث معماري وثقافي

أكد المهندس خالد الخشمان، رئيس بلدية السلط الكبرى، أن المدينة تتميز بتنوع عناصرها التراثية، مما جعلها تنضم إلى قائمة اليونسكو. تمتلك السلط تاريخًا عريقًا، حيث عرفت الاستيطان البشري منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وتزخر بتراث عمراني يعكس حقبًا تاريخية متعددة، مما جعل عمارتها تدرس في الجامعات كحالة فريدة.

كما تضم السلط معالم تاريخية بارزة مثل المقابر الرومانية وقلعة الأيوبيين التي بناها السلطان عيسى بن أيوب عام 1198. كما تحتضن أضرحة ومقامات لأنبياء وصحابة، منها مقام النبي يوشع وشعيب وأيوب، بالإضافة إلى كنائس متعددة، أبرزها كنيسة المخلص سارة.

كان لأبناء السلط عبر التاريخ دور كبير في حماية زوار المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين. وقد كانت السلط معبرًا مهمًا للقوافل التجارية في العالم القديم، خاصة عبر طريق الإيلاف القرشي، الذي يمر من جهة الأغوار ووادي شعيب.

تميزت منازلها بطراز معماري فريد يجمع بين العمارة العثمانية والبيزنطية والرومانية والفارسية، مع استخدام الحجر الأصفر الذي يميز المدينة، مما أكسبها لقب المدينة الذهبية.

كما كانت المدينة دائمًا مثالًا للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في أجواء من التسامح والتعاون، وهو ما جعلها تحظى بلقب المدينة الأولى في كل شيء، حيث لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الأردن السياسي والثقافي.

أشار الخشمان إلى أن السلط كانت مركزًا تعليميًا بارزًا، حيث تأسست فيها مدرسة السلط الثانوية عام 1918، التي افتتحها الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، وكانت مقصدًا للمفكرين والشعراء من مختلف الدول العربية. كما كانت السلط سباقة في القطاع الصناعي الأردني، حيث شهدت إنشاء أول غرفة تجارة في الشرق الأوسط عام 1883.

 إرث تاريخي عريق

من جانبه، أوضح الدكتور محمد نايف العمايرة، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة مؤتة، أن السلط مدينة تاريخية عريقة استوطنتها البشرية منذ العصور الحجرية القديمة، مرورًا بالعصرين النحاسي والبرونزي. وُجدت آثار تدل على هذا الاستيطان في مواقع مثل تليلات الغسول وتل أم بُطمة، حيث كشفت الحفريات عن آثار مساجد وكنائس تعود للفترات البيزنطية والمملوكية والعثمانية.

أضاف العمايرة أن السلط كانت مركزًا عسكريًا مهمًا في عهد الدولة الأموية، حيث استوطنها رجالات بارزون مثل معاوية بن أبي سفيان، الذي كان له منزل ومستقر في قرية بقنس بوادي شعيب.

تضم السلط ثاني أقدم سجلات للمحاكم الشرعية بعد محكمة القدس، وتوثق هذه السجلات حضارة متقدمة شهدتها المدينة، مثل وثيقة تعود إلى عام 1900 توضح نمط الحياة المترف لأحد سكان السلط من مدينة نابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى