رحيل عميد الصحفيين السيناويين حمدي نصر بدولة الإمارات
سيناء – محمود الشوربجي
رحل عن عالمنا صباح اليوم، الثلاثاء، الكاتب الصحفي حمدي نصر، عميد الصحفيين السيناويين عن عمر ناهز 75 عامًا في مقر إقامته بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ونعى اتحاد الصحفيين والمراسلين بسيناء الكاتب الصحفي حمدي نصر بعد رحلة في صاحبة الجلالة استمرت نحو 55 عامًا.
كانت تشرفت مجلة صوت القبائل العربية بعمل حوار متكامل مع الكاتب الصحفي حمدي نصر أحد أبطال حرب أكتوبر عمل مراسل حربي في الحرب. وهو من أبناء مدينة العريش محافظة شمال سيناء، وإلى الحوار…
في البداية حدثنا عن ذكرياتك خلال حرب أكتوبر..
كنت مجندًا في القوات المسلحة ومراسل حربي لمجلة النصر وكانت أجواء صباح ذلك اليوم عادية تشملها حالة من الهدوء. لدرجة أن بعض الجنود كانوا يلعبون الكرة وبعضهم ينام مسترخيًا على الضفة الغربية للقناة. وفجأة هرع العديد من الجنود لينفخوا القوارب وانفجر الجو بنيران كثيفة تنطلق من كل مكان تستهدف الشرق. كما مرت بعض أسراب الطيران متجهة شرقًا على ارتفاع منخفض وتحول الضفة الشرقية إلى دخان أسود يرتفع مع ارتفاع صرخة «الله أكبر» وانطلق العديد من الجنود بقواربهم شرقًا وانطلقت مدافع الماء لتجبر السد الترابي على الانهيار فتشقه في عدة أماكن واندفع جنود يدفعون أجزاء الجسر إلى الماء وفي دقائق كان الجسور ممتدة تحت غطاء النيران وكان ارتفاع العلم المصري على الضفة الشرقية أغلى لحظات الحياة وأعزها وأشرفها وكانت بشائر النصر تخفق معه في السماء.
وبعد 6 ساعات من القتال حضرت الفرحة على الضقة الشرقية؛ كان الجنود بحوزتهم العدة الشخصية زمزميات الماء وتعيين طعام مجفف. فصنعوا لأنفسهم شربات الانتصار ماء وقليل من السكر وتبادلوه بدموع الفرح.
نبذة عن مسيرة الكاتب حمدي نصر
حمدي نصر عميد الإعلاميين والصحفيين السيناويين صدر له منذ أيام كتاب معجم اللهجة العرايشية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي استقبلته محافظة سيناء الشمالية بترحاب وإقبال نفدت معهما الكمية المطروحة في أول أيام وصوله.
الكتاب وعشق التراث كانا ملفتان للنظر وحافزان لنا لإجراء هذا اللقاء مع عاشق التراث الذي عمل في صحافة الإمارات لفترة طويلة منها 22 عامًا في جريدة الاتحاد. ساهم في بدايتها في تأسيس مجلتي زهرة الخليج النسائية، وماجد للأطفال، وتعاون مع جميع أقسام التحرير. بما فيها الرياضة وأجادها، فتم تعيينه رئيسًا للقسم الرياضي لعدة سنوات، أصدر خلالها كتابه الأول بعنوان: «كأس العالم طرائف وأفراح ودموع». ونفذت الكمية المطبوعة وعددها ستة آلاف نسخة في الأسبوع الأول من طرحه. وبعد أداء فريضة الحج ترك القسم الرياضي، وعاد إلى المحليات فحقق كثيرًا من الانفرادات الخبرية، وأبدع في التحقيقات القوية. وتقديرًا له أوفدته جريدة الاتحاد إلى تركيا لعمل لقاء صحفي مع الرئيس التركي «كنعان ايفيرين» ليكون نشره في الإمارات تمهيدًا لزيارة الرئيس التركي لها. وانتهز الفرصة فأجرى لقاء مع «تورجوت اوزال» رئيس الوزراء وقتها وعدد من الوزراء.
لقاءه مع رئيس دولة الإمارات
وفي عام 1995 أجرى لقاء غير بروتوكولي مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات وقتها، رغم الحظر الذي فرضته وزارة الإعلام الذي اقتضى أن تكون أخبار الرئاسة قاصرة على وكالة أنباء الإمارات فقط كنوع من التنظيم، لكنه في إحدى المناسبات التي حضرها الشيخ زايد قرر في نفسه أن يحاول مقابلته، وإجراء حديث معه وفعلاً كتب الله له التوفيق بموافقة الشيخ زايد على المقابلة، فكان الوحيد من بين جميع الصحفيين العاملين في الإمارات ومعهم مندوبي وكالة أنباء الإمارات الذي أجرى مقابلة غير بروتوكولية مع الشيخ زايد رئيس الدولة.
ويقول «نصر» لـ «صوت القبائل العربية» أنه من توفيق الله أن لم يكن موجودًا يومها أي صحفي من الصحف المنافسة، وأيضا غياب مندوب وكالة أنباء الإمارات المرافق للشيخ زايد في مكتبه وجولاته. فحققت خبطة صحفية كانت الأكبر والأغلى في المسيرة الصحفية.
عاشق التراث وسباقات الهجن
وعندما تخصص ضيفنا في الكتابة عن تراث الإمارات وأجرى العديد من التحقيقات التي حظيت بإعجاب الجميع وكان لها ردود فعل إيجابية كبيرة، كما أصدر خمسة ملاحق ملونة بحجم التابلويد عن سباقات الهجن وهي تعد حاليًا مرجعًا علميًا رصينًا للباحثين في مجال الهجن، وتطور وأسرار سباقاتها. مما دفع إدارة نادي تراث الإمارات وهو مؤسسة ثقافية ترعى التراث وتعمل على ترسيخه في أذهان الأجيال الجديدة، للتعاقد معه لإصدار مجلة تراثية عن النادي فوضع حجر أساسها، لتهتم بالتراث المحلي والعربي والعالمي، وكان توزيعها جيدًا في مصر.
وقال «نصر» أنه ترك مجلة تراث ليضع حجر أساس مجلة التراث المعنوي «أون لاين» في هيئة التراث والثقافة في أبوظبي، مؤكدًا أنه أجرى أيضًا العديد من الموضوعات البحثية في التراث الإماراتي، مما أمكنه من إصدار خمسة كتب تتعلق بالتراث، أولها كتاب: روايات وذكريات من ماضي الإمارات الفائز بجائزة أفضل كتاب عن الإمارات في عام 2018، وبالمشاركة مع باحث من أبناء الإمارات أصدر كتابين الأول بعنوان: «يقول المتوصف» وهو من جزئين عن الأمثال الشعبية في الإمارات، والثاني بعنوان: «لهجتنا منظرتنا» ويتعلق باللهجة القديمة في الإمارات، ومنظرتنا تعني مرآتنا.
كما أمكنه تخصصه في الكتابة عن التراث من إصدار كتاب بعنوان نبراس من التراث، وكتاب مختارات من تراث الإمارات، وبعيدًا عن التراث له كتاب عن مسيرة ابن الإمارات على بن حسن شمشون العرب الذي زار معظم الدول العربية في الستينيات من القرن الماضي، وقدم فيها استعراضات قوة أذهلت الجميع، وفي خلال زياراته التقى مع عدد من الزعماء العرب من بينهم الرئيس جمال عبد الناصر، وفي الأردن كان الملك حسين بعد مشاهدة عروضه هو الذي أطلق عليه لقب شمشون العرب.
مقتطفات من طفولته
وعندما نعرج على البدايات كان ضيفنا منذ طفولته شغوفا بالقراءة والصحافة حتى أنه كان يقوم بعمل مجلات الحائط بمفرده ويهديها لفصله ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية.
وكان أيضا شغوفا بالكتابة فكتب أول قصة في مسيرته الأدبية وهو في الصف الخامس الابتدائي وكان عنوانها: “في سبيل الحرية” ولقي تشجيعًا كبيرًا من أساتذته.
وكان بليغا في الخطابة حتى أنه وفي أول أسبوع من دراسته في المرحلة الإعدادية ألقى خطبة ارتجالية في طابور الصباح فانبهر به ناظر المدرسة وأهداه قلمه الحبر، وقال خلال حديثه أنه في المرحلة الثانوية تولى مسؤولية الإذاعة المدرسية وتم انتخابه رئيسًا لاتحاد الطلاب وفجرت نكسة 67 رغم مرارتها موهبته الشعرية والأدبية فكتب الأغاني الشعبية والوطنية لفرقة سينا للفنون الشعبية التي قدمت عروضها على مسارح عدة في القاهرة والجيزة ومسرح الشاطبي بالإسكندرية، وأذاعتها إذاعة صوت العرب في برنامجها اليومي الشعب في سيناء.
مراسل حربي
وفي مرحلة الجامعة احترف العمل الصحفي في جريدة الشباب العربي. وفاز بالمركز الأول والميدالية الذهبية في مسابقة تأليف مسرحيات الفصل الواحد على مستوى الجامعات المصرية. وفي فترة التجنيد الإجباري بعد انتهاء دراسته الجامعية كان مراسلًا عسكريًا لمجلة النصر التابعة للقوات المسلحة في عام 1973. وفي عام 1975 شارك في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة على مستوى الجمهورية. وفاز بالمركز الأول واستلم جائزته من المرحوم يوسف السباعي وزير الثقافة وقتها في حفل أقيم بنادي القصة بالقاهرة. كما أذاع التليفزيون المصري لقطات منه في نشرة أخبار التاسعة.
ونعود لكتاب معجم اللهجة العرايشية ونسأله لماذا الكتاب؟ قال: إنه عشق التراث في المقام الأول، وكلنا نشعر بالحنين للماضي بسلاسته وسهولته ونقائه، وبساطته وأريحيته، حتى أننا نسميه الزمان الجميل، ولهجتنا العرايشية تميزنا عن غيرنا من أبناء مصر المحروسة، وهذا ليس تعصبًا ولا عنصرية فهي لها خصوصيتها في مكوناتها ومفرداتها وطريقة نطقها، وشموليتها في التعبير عن أحوالنا من واقعنا. وقد لاحظت أن هذه اللهجة التي يعتز بها أمثالي من كبار السن بدأت في الضمور والتلاشي خاصة بين الأجيال الجديدة. فكان لابد من بين التراثيات التي نحرص على رعايتها والتمسك بها أن يكون هذا الكتاب. ليحجز لها مكانا فوق رف الذاكرة فلا تضيع.
قال ضيفنا عاشق التراث وعميد الإعلاميين السيناويين أنه بدأ في وضع كتاب يتناول المعتقدات السيناوية القديمة. وبعض العادات والتقاليد التي اختفت من حياتنا رغم جمالها وأهميته في عصر أصبح مضطربًا. ويزخر بأمواج العولمة الجارفة التي تستهدف أجتثاث التراث من الأعماق. فلا نسمح لها بذلك ليكون ذلك رسالة إلى دول العولمة أننا متمسكون بجذورنا وأصالتنا. وهما حجر أساس تطورنا ونبع نهضتنا بإذن الله.