المزيد

إسرائيل ليست وحدها من تمزق نفسها

د. محمد السعيد إدريس

تحت عنوان «إسرائيل تمزق نفسها» نشرت مجلة «الايكونوميست» البريطانية تقريراً موسعاً بمناسبة الذكرى الـ 76 لتأسيس كيان الاحتلال (ذكرى نكبة عام 1948) كان فحواه أن هذه الذكرى تأتى والكيان فى أسوأ حالاته «فى سقوط وتفكك وليس فى صعود وازدهار» مؤشر مهم يكشف إلى أى مستقبل تتجه إسرائيل. وعدد التقرير فداحة التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية، لكن استخدام نفس المنظور التحليلى يكشف أيضاً أن «إسرائيل ليست وحدها» التى تدفع نحو هذا المستقبل. المشابهة مع إسرائيل تتأكد وتتجلى فى أوضح صورها فى الولايات المتحدة الأمريكية التى تسلك سياسات ظاهرها الدفاع عن التفرد الأمريكى فى زعامة العالم لكنها ، أى السياسات، تقودها نحو المزيد من الأفول والانحسار وتمزيق الذات. تقرير «الايكونوميست» ركز فى قراءته لكيفية تمزيق إسرائيل لنفسها عبر سلسلة من استعراض السياسات التى تفاقم من التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية والتى كان فى الإمكان تجنبها وفى مقدمتها حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة وعبثية الإصرار على هزيمة حركة «حماس»، والعودة إلى فرض الحكم العسكرى الإسرائيلى للقطاع والتأسيس لمستقبل سياسى للقطاع «بدون حركة حماس»، والنتيجة هى أكثر من 130 ألف شهيد ومصاب فلسطينى وضبابية الحصول على نصر عسكرى بعد مرور 8 أشهر على بدء حرب الإبادة والمقابر الجماعية التى تتكشف يوماً بعد يوم فى أرضيات المستشفيات التى جرى تدميرها فى القطاع . يحدث هذا فى وقت تتفاقم فيه الصراعات الداخلية الإسرائيلية سواء بسبب رفض سياسة الحكومة فى الإصرار على استمرار الحرب وعدم الاعتبار لأرواح «الرهائن» الإسرائيليين لدى حركة «حماس» وفصائل المقاومة الأخرى، أو بسبب الخلاف على تجنيد أو عدم تجنيد المتدينين (الحريديم) الذين يشكلون 13% من الإسرائيليين ويتمتعون بإعفاءات من الخدمة العسكرية. كما تحدث تقرير «الايكونوميست» عن التحولات العميقة التى تحدث فى «الوعى الجمعى العالمى» بعدالة القضية الفلسطينية وتفاقم الاحتجاجات والتظاهرات العالمية الرافضة لحرب الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطينى والداعية إلى منح الشعب الفلسطينى حقوقه فى الحرية والاستقلال. رغم أهمية ما رصده تقرير الايكونوميست من تحولات عالمية ليست فى صالح إسرائيل فإنه لم يعط ما ترتكبه إسرائيل من أخطاء تمزق خصوصية علاقتها فائقة التفرد مع الولايات المتحدة، وتسىء لعلاقاتها بالعالم. فالتقرير تجاهل، على سبيل المثال، السلوك الإجرامى الذى ارتكبه جلعاد أردان رئيس الوفد الإسرائيلى بالأمم المتحدة بحق المنظمة الدولية والمجتمع الدولى كله، عندما قام علناً، وبشكل استعراضى، بتمزيق نسخة من ميثاق الأمم المتحدة، رداً على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 عضواً مقابل اعتراض 9 أعضاء وامتناع 25 عن التصويت على مشروع قرار يقضى بانضمام فلسطين إلى المنظمة الدولية ومنحها حقوقاً إضافية «كدولة مراقب» لها حق الحضور دون حق التصويت، وهو التصويت الذى يعد استطلاعاً عالمياً لمدى التأييد الذى يحظى به المسعى الفلسطينى للحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة. وإذا كانت إسرائيل قد خسرت قطاع «اليسار الأمريكي» بسياساتها الخاطئة على نحو ما أكدت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، وهى الخسارة التى أخذت تمتد إلى قطاعات الشباب الأمريكى على نحو ما كشفته تظاهرات واعتصامات داعمة للقضية الفلسطينية ومطالبة بوقف حرب الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة فى كثير من الجامعات الأمريكية، فإن إسرائيل تسعى لتدمير الروابط التى تجمع بينها وبين الطبقة الحاكمة والمؤسسة الحاكمة فى الولايات المتحدة، وإذا كانت البداية الآن تتعلق بالحزب الديمقراطى، فإن المستقبل يمكن أن يشهد تحولات من الحزب الجمهورى والتمرد على سياسة الهيمنة والتسلط وإملاء الشروط التى تمارسها إسرائيل على صانع القرار الأمريكى فى البيت الأبيض والكونجرس. فإذا كان الرئيس الإسرائيلى اسحاق هيرتسوج قد تطاول باستعلاء على «المؤسسات الأكاديمية» الأمريكية، ووصفها بأنها «ملوثة بالكراهية ومعاداة السامية» لمجرد ظهور مؤشرات تعاطف طلابى مع الشعب الفلسطينى فإن وزيرة الاستيطان والمهمات القومية الإسرائيلية «أوريث ستروك» قد اتهمت الولايات المتحدة بانها «لا تستحق أن تحمل صفة صديقة لإسرائيل» بسبب دعم الولايات المتحدة للجهود المصرية والقطرية الساعية للتوصل إلى «اتفاق» يقضى بتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس»، كما ندد جاكوب ناجل وهو مستشار الأمن القومى السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلى بما وصفه «لعبة أمريكا الخطرة مع الأمن الإسرائيلى» فى مقال نشره فى صحيفة «جيروزاليم بوست» تحت هذا العنوان مشككاً فى جدوى زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان التى جرت (أمس الأول الأحد) فى تحدٍ مسبق لهذه الزيارة، ورفضاً مسبقاً لأى مطالب أمريكية تخص الحرب الإسرائيلية على رفح أو إغلاق المعابر أو وساطة «الرهائن». وإذا كانت إسرائيل بهذه السياسات والممارسات «تمزق حتماً نفسها» على نحو ما ورد فى مقال «الايكونوميست» المشار إليه ، فإن الولايات المتحدة تسلك النهج نفسه، بتدميرها لصورتها أمام المجتمع الدولى بسبب الانحياز المفرط لـ «العدوانية» الإسرائيلية والتلويح بعقوبات ضد «المحكمة الجنائية الدولية» إذا هى أصدرت أوامر لاعتقال مسئولين إسرائيليين تحت مسمى ارتكاب «جرائم حرب»، ورفضها الاعتراف بأن ما قامت وتقوم به إسرائيل فى قطاع غزة «إبادة جماعية»، وتمزق ما بينها وبين حلفائها العرب من علاقات لها خصوصيتها بتراجعها عن قرار وقف تصدير أسلحة لإسرائيل كان قد أعلنه الرئيس الأمريكى وبتراجعها إذا هاجمت مدينة رفح، ثم سلبية موقفها إزاء مقترح القمة العربية الأخيرة بنشر قوات دولية فى الأراضى الفلسطينية لحين قيام دولة فلسطينية.

 

ممارسات أمريكية مشابهة لما تقوم به إسرائيل مع المجتمع الدولى والحلفاء العرب، ناهيك عن الفشل الأمريكى فى حل أزمة التمرد الطلابى باعتبارها «أزمة مجتمعية أمريكية» تضع الولايات المتحدة فى موقف «من يمزق نفسه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى