حوارات و تقارير

شفيقة العشماوي».. الشهيدة المنسية رحلة البحث عن تخليد ذكرى أول شهيدة مصرية بثورة 1919

هاني نصر

وقف أبو محمد ﻓأﺧذ ﻧﻔﺴﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﺠﺎﺭﺗﻪ، وهو يردد «أنا عايش هنا واتولدت هنا في الخارطة القديمة وعيلتي هنا، ومسمعتش عن شفيقة العشماوي»، بهذه الكلمات أجاب الرجل الخمسيني حين التقينا به خلال رحلة البحث عن «شفيقة محمد العشماوى» أول  شهيدة مصرية سقطت في المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي عام 1919، وذلك تزامنا مع الإحتفال بيوم المرأة المصرية الذى خصص تحديدا لتخليد هذه البطولة في شهر مارس من كل عام، وأضاف أبو محمد بحسم «مفيش حد هنا بالإسم ده، وأول مرة أعرف إن في المنطقة رمز وطنى مثل هذه الشهيدة».
«صوت القبائل العربية والعائلات المصرية» تجولت بحثا عن أىِّ خيط يصلنا بالشهيدة بمنطقة الخليفة، وبالخارطة القديمة تحديدًا بحسب ما ذكر المؤرخون وأساتذة الجامعات في مؤلفاتهم، أن «شفيقة محمد العشماوي»، كانت تسكن في تلك المنطقة بمنزل والدها محمد العشماوي.
خمس ساعات قضيناها في البحث والتواصل مع سكان المنطقة في محاولة للوصول لذوي أو أقارب الشهيدة شفيقة العشماوي لضمهم للملف لندعمه بصور ووثائق تخص الشهيدة، وليحدثونا باستفاضة عنها.
بين حارات ضيقة، وشوارع أخرى واسعة بالمنطقة يصطف على الجانبين ورش حدادة وميكانيكية وغيرهما، والإجابة المعتادة من السكان أو الصنايعية هناك، حينما نسأل أى منهم عن وجود شارع يحمل اسم “شفيقة محمد” أو “شفيقة العشماوى” – اعتقادا منا أن هذا أقل تكريم من الممكن تقديمه من أى من الحكومات المتعاقبة منذ عام 1919 تخليدا لدورها البطولى – إلا أن الرد الدائم من الجميع “منعرفش”.
رحلة البحث وصلت بنا إلى تحديد مسجد وسط المقابر يحمل اسم «العشماوي».. هنا التقطنا أنفاسنا وشعرنا بأننا وصلنا لأول خيط  في الملف، فأتجهنا نحو المسجد الذي يقع وسط المقابر أقصى منطقة الخارطة القديمة، وهناك وجدنا مسجدا يحمل اسم “صلاح العشماوي”، تجلس أمامه سيدة ستينية، ترتدي عباءة سوداء، حكت لنا قصة الشهيد “صلاح العشماوي” أحد أبناء عائلة العشماوي في المنوفية، وكان لهم مصنع زيوت سيارات، وتوفى أثناء محاولة إخماد النيران داخل مصنعه، وتم تسمية اسم الشارع والمسجد على اسمه، ولا تعرف عن «شفيقة العشماوي» شيئا، وأكدت أن أقارب “صلاح العشماوى” يعيشون في مناطق أخرى ومنهم خارج مصر، وحاولنا الوصول لأي معلومة جديدة اعتقادا أن هناك صلة بين الاثنين.
وطلبنا من السيدة هواتف أو عناوين أقارب الشهيد، فطلبت منا الذهاب لرجل يقطن بالمنطقة منذ زمن، يدعى «سعيد جاد»، وعقب الوصول لمنزله ولقائه لم يربط بين اسم صلاح العشماوي وشفيقة العشماوى، ووعد بالبحث عن تليفونات لأقارب الشهيد إلا أنه لم يقدم لنا معلومة جديدة حتى مثول المجلة للطبع.
وتعود وقائع أحداث استشهاد “شفيقة محمد العشماوى” إلى يوم السادس عشر من شهر مارس عام 1919 حينما شهد هذا اليوم خروج المرأة المصرية لأول مرة فى تاريخ مصر فى مظاهرة ضد الاحتلال البريطانى تتقدمها هدى شعراوى يطالبن بالإستقلال التام وعودة سعد زغلول ورفاقه من المنفى.
وأجمع المؤرخون على أن “شفيقة محمد العشماوى”، كانت ضمن السيدات اللائى سرن فى مظاهرة 16 مارس، إلا أن واقعة استشهادها قد حدثت فى مظاهرة أخرى يوم 10 أبريل، وكانت هذه المظاهرة كبيرة شاركت فيها السيدات من مختلف الطبقات وسرن فى الشوارع حتى وصلن إلى مقر المندوب البريطانى وطلبن مقابلته، ليرفعن إليه احتجاجا مكتوبا، فمنعهن الجنود الإنجليز بالسلاح، وفرضوا عليهن حصارا بالبنادق ومع ذلك لم يعبئن، وهنا حملت شفيقة العلم المصرى فى يد والإحتجاج المكتوب فى اليد الأخرى، وأخترقت الحصار وهرولت حتى وصلت إلى مكتب “ملن شيتهام” القائم بأعمال المندوب السامى البريطانى، فتناول منها الإحتجاج ودعاها للدخول إلى مكتبه، وأشار إليها بالجلوس لكنها رفضت، قائلة: لن أجلس، فسألها ماذا تريدين؟ فأجابته أننى أتقدم بإحتجاج على الأعمال الوحشية التى يعاملنا بها جنودكم بدون ذنب ارتكبناه سوى أننا نطالب بحرية مصر واستقلالها، ونحتج أيضا على إعتقال زعمائنا ونفيهم إلى مالطة، وبعد انتهاء النقاش وأثناء خروجها من مكتب المندوب السامى البريطانى، وبمسافة قليلة أطلق عليها الرصاص لتسقط أول شهيدة بالثورة، وسط هتافات مدوية من باقى المتظاهرات، لتتحول بعد ذلك إلى أيقونة تسببت في نجاح الثورة بعد أن جابت أنحاء مصر بأكملها قصتها ،وأصبح الجميع يردد مقولة واحدة “شفيقة اتقتلت وهى بتطالب بحقوقنا” لينتفض الشعب المصرى بأكمله ضد الاحتلال الإنجليزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى