تاريخ ومزارات

محطات مهمة في تاريخ الإذاعة المصرية مع تلاوات القرآن الكريم

 

 

كتبت شيماء طه

 

شهدت الإذاعة المصرية منذ تأسيسها عام 1934 تطوراً كبيراً في بث تلاوات القرآن الكريم، وأصبحت واحدة من أهم المنابر التي حفظت تراث كبار القرّاء وعرّفته إلى العالم العربي والإسلامي. وفيما يلي تقرير شامل يوضح أبرز المحطات المهمة التي شكّلت تاريخ الإذاعة مع التلاوة، وأسهمت في صناعة مدرسة مصرية مميزة في قراءة القرآن.

 

 

1. البدايات الأولى لبث القرآن الكريم (1934)

 

مع انطلاق الإذاعة المصرية رسميًا في مايو 1934، كانت تلاوة القرآن من أولى المواد التي حرصت الإذاعة على تقديمها. وعلى الرغم من بساطة الإمكانات التقنية في ذلك الوقت، فإن البث المباشر للقرآن قبيل الفجر كان حدثًا مهيبًا ينتظره ملايين المستمعين في مصر وخارجها. وقد كان الهدف الرئيسي هو إيصال القرآن بصوت واضح وسليم يحترم أحكام التجويد ويصل إلى الناس بأسلوب خاشع وجميل.

 

2. ظهور جيل الروّاد والنهضة الذهبية (1940–1960)

 

شهدت هذه الفترة بروز كبار القرّاء الذين أسسوا ما يُعرف اليوم بـ“المدرسة المصرية في التلاوة”. ومن أبرزهم:

الشيخ محمد رفعت، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي.

كانت الإذاعة تعتمد عليهم بشكل أساسي في فترات البث الرئيسية، وقد ساهمت جودة أصواتهم وعمق أدائهم في ترسيخ عادة الاستماع اليومي للقرآن في البيوت والمقاهي والوسائل العامة. كما كانوا يُسجّلون تلاوات خاصة تُعاد في المناسبات الدينية الكبرى مثل ليلة القدر وهلال رمضان.

 

3. مرحلة التطوير التقني وتوثيق التلاوات (1960–1970)

 

مع إدخال أجهزة تسجيل أحدث في الستينيات، بدأت الإذاعة في توثيق تلاوات القرّاء بجودة أعلى وصياغة مكتبة صوتية فريدة.

في هذه المرحلة ظهر جيل جديد من القراء، من أبرزهم:

الشيخ محمود خليل الحصري، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الشيخ محمد صديق المنشاوي.

وقد ساهم هذا التطور في نشر تلاواتهم عالميًا، إذ كانت الإذاعة ترسل نسخًا مسجلة إلى عدد من الدول العربية والإسلامية.

 

4. إنشاء لجنة اختبار القراء واعتماد الأصوات (السبعينيات وما بعدها)

 

في السبعينيات، أسست الإذاعة المصرية لجنة متخصصة لاختبار القراء الجدد قبل اعتمادهم للبث. وكانت اللجنة تضم كبار العلماء والمقرئين، ما جعل انضمام أي قارئ للإذاعة شرفًا كبيراً ووسامًا مهنيًا.

خلال هذه الفترة انضم إلى الإذاعة قرّاء عظام مثل:

الشيخ محمد محمود الطبلاوي، الشيخ أبو العينين شعيشع، الشيخ محمد محمود الرزيقي.

 

 

5. توسّع البث وانتشار التلاوات عالمياً (1980–2000)

 

بفضل التطور في الأقمار الصناعية، بدأت الإذاعة تُبث تلاوات القرآن عبر موجات متعددة تصل إلى العالم كله.

أصبح صوت الإذاعة المصرية هو الصوت الرسمي للتلاوة في كثير من الدول، خاصة في المساجد والمناسبات الدينية، مما ساهم في انتشار المدرسة المصرية بشكل غير مسبوق.

 

 

 

6. العصر الرقمي وحفظ التراث الصوتي (2000–حتى اليوم)

 

مع دخول عصر الإنترنت والمنصات الرقمية، قامت الإذاعة المصرية بتحويل آلاف الساعات من التلاوة إلى أرشيف رقمي قابل للبث عبر المواقع والوسائط الحديثة.

وأصبح من السهل الوصول إلى تلاوات نادرة لكبار القراء مثل رفعت ، الحصري ، الطبلاوي ، المنشاوي ، عبد الباسط، وهو ما أسهم في استمرار تأثير الإذاعة حتى اليوم.

 

إن تاريخ الإذاعة المصرية مع تلاوات القرآن ليس مجرد بث صوتي، بل هو صناعة تراث روحي وفني أسهم في تخريج عمالقة التلاوة ونشر القرآن الكريم بأجمل الأصوات إلى العالم كله. وما تزال الإذاعة حتى اليوم منارة للتلاوة الصحيحة وذاكرة حيّة لفنٍ أصيل لن يندثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى