د سهام جبريل تكتب: حين انتصرت الإرادة المصرية على أنياب الاستعمار
فى ذكرى العدوان الثلاثي..
د سهام جبريل تكتب: حين انتصرت الإرادة المصرية على أنياب الاستعمار فى ذكرى العدوان الثلاثي
كثير من أبناء جيلى لم يعش عدوان عام 1956، لكنه عاشه بوجدان الحكاية؛ سمعه في صوت الأمهات ودموع الجدّات، واستشعره في نبرة الفخر حين يتحدث الآباء عن بورسعيد وسيناء والإسماعيلية والسويس وبطولات امتدت على طول قناة السويس وعبرت سيناء فأصبحت ملحمة الدفاع عن الوطن نموذجا يحكى و تتداوله الأجيال .
كنا نستمد من تلك الحكايا بذور الانتماء الأولى، فـتفتح في قلوبنا حب الوطن كزهرةٍ من ذاكرةٍ لا تذبل.
وفي الخلفية ظلّ يرنّ في الذاكرة صوت النشيد الوطني الخالد الذي صاحَب أبطالنا في شوارع بورسعيد:
دع سمائي، فسمائي محرقة
دع مياهي، فمياهي مغرقة
واحذر الأرض، فأرضي صاعقة
هذه أرضي أنا، وأبي ضحى هنا
وأبي قال لنا: مزقوا أعداءنا
ذلك الصوت لم يكن مجرد أبيات شعرية، بل صرخة تحدٍّ وإيمان، وحّدَت المصريين جميعًا خلف راية واحدة، دفاعًا عن الكرامة والسيادة.
وحين جاءت حرب يونيو 1967 كنا صغارًا، نرقب المشهد بعيونٍ لم تفهم كل التفاصيل، لكنها وعت الألم والفقد والانكسار.
كبرنا في ظلال تلك المحنة، وتكوّنت داخلنا قناعةٌ راسخة بأن الوطن ليس جغرافيا فقط، بل عقيدة ومسؤولية وأمانة تورَّث للأجيال كى يعرفوا قيمة الأرض والتراب الوطنى وكيفية الحفاظ عليه.
ومن هنا، تأتي رسالتنا اليوم:
أن نحكي لأبنائنا ما حكاه لنا من سبقونا، من أجل أن نزرع في نفوسهم قـيم الوطنية والإخلاص والانتماء، وليدركوا أن ما نعيشه من حرية واستقلال، لم يكن يومًا هدية، بل ثمرة تضحيات أجيال آمنت بمصر ودفعت ثمن بقائها.
العدوان الثلاثي.. خلفية المشهد
في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956، شنت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عدوانًا مشتركًا على مصر، بعد قرار الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ذلك القرار الذي اعتبرته القوى الاستعمارية تحديًا مباشرًا لنفوذها ومصالحها الاقتصادية في المنطقة.
لكن وراء هذا العدوان كانت هناك أبعاد سياسية واستراتيجية أعمق:
مصر دعمت حركات التحرر العربي والإفريقي، وعلى رأسها ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.
رفض مصر الهيمنة الغربية بعد صفقة السلاح التشيكية واتجاهها شرقًا نحو الاتحاد السوفييتي.
تصاعد التوتر مع إسرائيل بسبب إغلاق خليج العقبة ودعم الفدائيين الفلسطينيين.
كل ذلك جعل من القاهرة رمزًا للمقاومة، ومن عبد الناصر هدفًا مباشرًا للثلاثي الغاضب.
ملحمة بورسعيد
بدأت إسرائيل هجومها على سيناء، ثم لحقت بها بريطانيا وفرنسا، لتقصف الطائرات القاهرة ومدن القناة.
لكن مدينة بورسعيد الباسلة تحولت إلى أيقونة للصمود؛ فقد واجه أبناؤها الإنزال العسكري البريطاني والفرنسي بمقاومة شعبية هزّت ضمير العالم.
تحت ضغط الرأي العام العالمي والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، اضطرت الدول الثلاث إلى وقف القتال، ثم الانسحاب الكامل في 23 ديسمبر 1956، ليُسجل هذا اليوم في الذاكرة الوطنية عيدًا للنصر والإرادة.
سيناء وبطولات الآباء والأجداد
كان الآباء هم من حافظوا على التراب الوطنى وتحدوا سطوة الاحتلال ومحاولة السيطرة على الأرض ظلوا واقفين صامدين محافظين على تراب الوطن مشاركين فى ملحمة البطولة والفداء حتى عادت سيناء فى 15يناير 1957الى أحضان الوطن وأصبح عيدها الوطنى هو عيد النصر والانتصار
ما بعد العدوان.. ميلاد مصر الجديدة
لم تكن نتائج المعركة عسكرية فحسب، بل سياسية وتاريخية بامتياز:
انهزم الاستعمار القديم وبدأت نهايته في الشرق الأوسط وإفريقيا.
تغير ميزان القوى الدولي، وبرزت مصر كقائد لحركات التحرر الوطني.
صعد نجم عبد الناصر زعيمًا للعرب، ومعبّرًا عن وجدان الأمة في مواجهة الغطرسة الغربية.
وأثبتت التجربة أن قوة الشعوب لا تُقاس بعدد الطائرات والدبابات، بل بصلابة الموقف وإيمانها بالحرية.
قراءة في الذاكرة الوطنية
العدوان الثلاثي لم يكن فقط صراعًا على قناة السويس، بل كان صراعًا على هوية المنطقة واستقلال قرارها.
ومن رحم تلك الأزمة، وُلدت مرحلة جديدة من الوعي السياسي العربي، حملت شعار “التحرر والوحدة والتنمية”، ورسخت في الوجدان أن مصر لا تُهزم طالما بقيت متماسكة حول رايتها.
ثمانون عامًا على تأسيس الجامعة العربية، وقرابة سبعة عقود على العدوان الثلاثي، وما زالت مصر تقدم للعالم الدرس ذاته:
أن السيادة لا تُمنح، والاستقلال لا يُستعار، ومن يمتلك وعيه يمتلك مصيره.
ذكروا أولادكم واحكوا لهم تاريخكم الوطنى حتى تستمر مسيرة اجيال تعلم تاريخها الوطنى وتقدر قيمة الوطن الأرض والشعب والجيش ومسؤلية الحفاظ على التراب الوطنى فالأجيال تتوارث قيم العزة والكرامة .



