تاريخ ومزارات

مصر وفلسطين تاريخ من العروبة ووحدة المصير منذ فجر الحضارات

 

 

كتبت شيماء طه

لم تكن العلاقة بين مصر وفلسطين يومًا علاقة جوار جغرافي فحسب، بل علاقة دمٍ وتاريخٍ ومصيرٍ واحدٍ بدأ منذ فجر الحضارات. على ضفتي النيل وغرب نهر الأردن، سارت القوافل وتبادلت الشعوب التجارة والثقافة، وامتزجت الروح المصرية بالعربية الفلسطينية في نسيجٍ واحدٍ صنعته القرون وشهدت عليه الحجارة والآثار والنقوش.

فلسطينمنذ العصور القديمة، كانت فلسطين بوابة مصر الشرقية، تحميها الجيوش المصرية وتفتح ذراعيها للتجار والمسافرين.

فحين كانت مصر الفرعونية تبني مجدها على ضفاف النيل، كانت عيونها لا تغفل عن حماية أرض كنعان، لما تمثله من عمقٍ استراتيجي وحضاري ، وذكرت النصوص الفرعونية معارك خاضها الملوك المصريون في بلاد الشام لحماية حدودهم وتأمين طرق التجارة التي تربط بين الدلتا والقدس وغزة وأريحا.

ومع تعاقب العصور، ظل التواصل الإنساني بين الشعبين حاضرًا في كل مرحلةو،في العهد الإسلامي، شارك المصريون في الفتوحات التي حررت القدس، وصار الطريق بين القاهرة والقدس طريقًا للعلم والحج والتجارة ، لم تكن الحدود تُفصل بين قلوب الناس، فالعائلة الواحدة كان يمكن أن تمتد جذورها بين سيناء وغزة، تجمعها لهجة قريبة وعادات مشتركة وأغاني تحمل النغمة نفسها.

كانت مصر دائمًا الحضن العربي الدافئ لفلسطين، تستقبل أبناءها في الأزمات وتفتح مدارسها وجامعاتها أمام طلابها. في الأزمنة القديمة كما الحديثة، ظل المصري يشعر أن الفلسطيني أخٌ في الهم والهوية. حتى الأسواق الشعبية في القاهرة والإسكندرية كانت تعرف “الزيت الفلسطيني” و“الصابون النابلسي” و“القمح الغزي”، كدليل على عمق التبادل التجاري والثقافي بين البلدين.

ولم تكن العلاقات محصورة في التجارة أو الثقافة، بل تعدّتها إلى التلاحم السياسي والنضال المشترك. فقد شارك أبناء فلسطين في الجيش المصري في معارك العروبة والدفاع عن الأرض، كما وقفت مصر دومًا إلى جوار فلسطين في وجه كل عدوان ، وعلى مر التاريخ، ظل صوت القاهرة هو الأكثر صدحًا في الدفاع عن القدس، والراية المصرية هي الأسبق في ميادين المساندة.

حتى الأغاني والتراث الشعبي حفظت هذا الحب، فالفلاح الفلسطيني حين يغرس شجرة زيتون يقول: “زي شجر مصر في الخير والعطاء”، والمصري حين يتحدث عن الصمود يقول: “زي أهل فلسطين”. إنها علاقة تشبه جذور النيل التي تمتد في الأرض، لا تُرى لكنها تمنح الحياة.

اليوم، ورغم تبدّل الأزمنة، يبقى الماضي شاهدًا على أن ما يجمع مصر وفلسطين أكبر من السياسة وأقوى من المسافات. إنه التاريخ المشترك والعروبة التي سكنت القلوب قبل أن تُكتب في الكتب ، فكما قال القدماء: من أراد أن يعرف معنى العروبة فلينظر إلى مصر وفلسطين حيث تلتقي الأرض بالسماء، والقلب بالقلب، والنيل بالقدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى