قبائل سوريا: النسيج القبلي الذي شكل تاريخ المشرق

أسماء صبحي – رغم المشهد السياسي والديمغرافي المعقد في سوريا. فإن قبائل سوريا تظل من أبرز المكونات الاجتماعية التي ساهمت في صياغة الهوية الوطنية للسوريين، خصوصًا في المناطق الشرقية والبادية. وتعد القبائل في سوريا من أقدم المؤسسات الاجتماعية المتجذرة في تاريخ المنطقة، إذ تمتد جذورها إلى العصور الإسلامية الأولى. وشهدت تحولات كبيرة في أدوارها بين الحكم العثماني، والاستعمار الفرنسي، والدولة الحديثة.

خريطة قبائل سوريا

تنتشر القبائل السورية في عدة محافظات، لكن الكثافة الأبرز تسجل في مناطق الجزيرة السورية (الحسكة، دير الزور، الرقة). إلى جانب مناطق السويداء جنوبًا، والبادية السورية وسط البلاد. ومن بين أهم القبائل هناك:

• قبيلة العقيدات (دير الزور)
• قبيلة الجبور (الحسكة والموصل)
• قبيلة البكارة (الرقة ودير الزور)
• قبيلة شمر (منطقة الجزيرة والحدود العراقية)
• قبيلة النعيم (منتشرة في البادية وصولًا إلى درعا)
• قبيلة عنزة (الجنوب السوري، والجولان سابقًا)
• قبيلة الحديديين (ريف حلب الشرقي)

يعود انتشار هذه القبائل إلى طبيعة الصحراء والبادية السورية. حيث كانت القبائل تمارس الرعي والترحال، قبل أن تستقر تدريجيًا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة لتغيرات اقتصادية وسياسية.

أصول قبلية

تنتمي غالبية قبائل سوريا إلى الجذور القيسية والعدنانية. وهي امتدادات لقبائل الحجاز ونجد التي هاجرت شمالًا في مراحل الفتح الإسلامي وما بعده. وتمتاز هذه القبائل بارتباطها الوثيق مع نظرائها في العراق والأردن والسعودية. مثل قبيلة شمر التي تنتشر في ثلاث دول على الأقل، وقبيلة البكارة التي لها امتدادات داخل العراق.

الهوية القبلية لم تكن يومًا منغلقة، بل تفاعلت مع الهوية الوطنية السورية. وانخرط كثير من أبناء هذه القبائل في مؤسسات الدولة، والجيش، والتعليم. لكن مع احتفاظهم بهياكلهم العشائرية التقليدية مثل “الشيخ”، و”المجلس”، و”الديوان”.

القبائل خلال فترة الاستعمار الفرنسي

في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، أدرك الانتداب الفرنسي أهمية البنية القبلية في ضبط الشرق السوري. فعمل على عقد تحالفات مع بعض شيوخ القبائل لضمان الاستقرار. وسعت فرنسا إلى منح الشيوخ سلطة محلية، لكنها في الوقت نفسه كانت تحرص على خلق نوع من التنافس بين القبائل الكبرى لضمان عدم توحدها ضد سلطة الانتداب.

كان شيوخ العقيدات وشمر من أبرز الفاعلين السياسيين في تلك المرحلة. حيث ظهرت أسماء مثل الشيخ “غازي الراوي” والشيخ “فارس الجربا”. واللذين لعبا أدوارًا تفاوضية مع سلطة الانتداب وأحيانًا مقاومة لها.

دورها في عهد الدولة الحديثة

بعد الاستقلال عام 1946، بدأ دور القبائل في الانحسار التدريجي من حيث السلطة السياسية. وذلك نتيجة التوجه المركزي للدولة السورية الحديثة. إلا أن الرئيس حافظ الأسد، وفي إطار سياسات ضبط الأمن في المحافظات الشرقية، أعاد إحياء دور بعض الزعامات القبلية ضمن إطار خاضع للسلطة. فكان بعض شيوخ القبائل يعينون في البرلمان، أو يُمنحون صلاحيات محلية مقابل الولاء السياسي.

هذا التعايش استمر لعقود، وأنتج نمطًا من “الولاء المشروط”. حيث كانت القبيلة تمنح امتيازات مقابل دعم النظام في الانتخابات أو الأزمات. وفي المقابل، ظلت العشائر تملك دورها الرمزي والاجتماعي في حل النزاعات، والضبط الأهلي، والتعليم غير الرسمي.

قبائل سوريا في زمن الحرب

منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، دخلت البنية القبلية في حالة انقسام عميق. فبعض القبائل، خاصة في دير الزور والرقة، انخرطت في الحراك المعارض للنظام. بينما ساندت قبائل أخرى النظام السوري لأسباب تتعلق بالمصلحة أو بفعل علاقات قديمة مع الدولة.

في عام 2014، واجهت القبائل امتحانًا جديدًا مع صعود تنظيم “داعش” الذي اجتاح مناطقها في الشرق، خصوصًا دير الزور والرقة. وخضعت بعض القبائل مؤقتًا لحكم التنظيم، بينما قاومه آخرون مثل قبيلة الشعيطات، التي تعرضت لمجزرة على يد داعش راح ضحيتها أكثر من 700 شخص.

ومع دخول قوات “قسد” و”التحالف الدولي”، تم إشراك بعض أبناء القبائل في الإدارات المحلية. لكن التوترات القبلية ظلت حاضرة خاصةً مع تعقيد المشهد السياسي وتعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين.

المكانة الثقافية والاجتماعية

رغم كل التحولات، لا تزال القبيلة تحتفظ بمكانة مركزية في حياة سكان الريف الشرقي والبادية السورية. فهي تقوم بدور أمني واجتماعي في ظل ضعف الدولة، وتشرف على فض النزاعات، وإجراء الصلح، وتحقيق نوع من العدالة المجتمعية البديلة.

ويلاحظ اليوم عودة الاهتمام بالهوية القبلية، خاصة بين الشباب. إذ تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بالأنساب، والبطون، والمشايخ. في ظل غياب المؤسسات الرسمية وانهيار البنية المركزية للدولة في بعض المناطق.