صبحي الفنان الذى لم ولن يتكرر

حين نتحدث عن المسرح المصري وعن القامات الفنية التي أثرت وجداننا الجمعي، لا يمكن أن نغفل اسم الفنان الكبير محمد صبحي. ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد ممثل، بل حالة متفردة، مدرسة قائمة بذاتها، وضمير حي ظل صوته يعلو دفاعاً عن الفن الراقي والفكر المستنير.
محمد صبحي لم يكتفِ بأن يكون فنانًا يؤدي أدوارًا على الخشبة أو أمام الكاميرا، بل آمن منذ بداياته بأن الفن رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع. فأعماله لم تكن مجرد تسلية وقتية، بل كانت دعوة للتفكير، ونافذة للتنوير، وصرخة ضد التخلف والفساد. مسرحياته مثل تخاريف و وجهة نظر و سكة السلامة 2000 وغيرها، كانت بمثابة مرايا عكست أمراض المجتمع، وطرحت أسئلة صعبة ظل الجمهور يناقشها بعد أن تنطفئ الأضواء.
وما يجعل صبحي فنانًا استثنائيًا أنه ممثل شامل لم يحصر نفسه في المسرح فقط، بل ترك بصمة عميقة في السينما والتلفزيون. ففي السينما قدم أعمالاً خالدة أثبتت قدرته على التجديد، أما في الدراما التلفزيونية فقد صنع مسلسلات أسطورية ستظل محفورة في وجدان الجماهير، مثل فارس بلا جواد الذي هز الرأي العام وكشف الكثير من الحقائق، وسنبل بعد المليون الذي جمع بين الكوميديا والرسالة، والمسلسل الخالد يوميات ونيس الذي لم يكن مجرد عمل درامي، بل موسوعة تربوية وفكرية زرعت قيماً رفيعة في عقول وقلوب المشاهدين على مدار سنوات.
ما يميز صبحي أيضًا هو إيمانه العميق بالمسرح كفن حي لا يموت. فبينما انشغل كثيرون بالبحث عن بريق الشاشة، ظل هو وفيًا للمسرح، يصونه ويجدده ويعيد تقديمه للأجيال الجديدة. ولم يتوقف عند كونه ممثلاً أو مخرجًا، بل أصبح معلمًا ومربياً عبر “مدينة سنبل للفنون”، حيث حاول أن يزرع في الشباب حب الفن الحقيقي وقيمه النبيلة.
صبحي لم يكن يومًا فنانًا يبحث عن الجماهيرية السريعة أو المكاسب المادية، بل كان دائمًا فنان الموقف، وفنان المبادئ. وهذا ما جعله يحظى باحترام مختلف الأجيال، حتى من قد يختلفون مع آرائه.
قد يتكرر ممثلون يجيدون الأدوار، أو نجوم يحصدون الشهرة، لكن محمد صبحي حالة استثنائية لن تتكرر. لأنه جمع بين الموهبة والفكر، بين الفن والرسالة، بين الجرأة والصدق. ولأنه ظل وفيًا لنفسه ولجمهوره وللوطن، لم يساوم على مبادئه ولم يفرط في قيمه.
لذلك، يبقى محمد صبحي علامة مضيئة في تاريخ الفن المصري والعربي، وسيظل رمزًا للفنان الشامل الذي حمل مشعل المسرح والسينما والتلفزيون، وظل نموذجًا للفنان الذي لم ولن يتكرر.



