المزيد

ألماس الحاجب ….. من العبودية إلى نيابة سلطنة الناصر محمد بن قلاوون

دعاء رحيل 

يحمل جامع ألماس الحاجب في طياته عبق التاريخ وروعة الفن الإسلامي، ويعد من المعالم المعمارية المتميزة التي تعكس براعة التصميم ودقة التنفيذ في العصور الإسلامية المختلفة، يجمع هذا الجامع بين البساطة والفخامة، وتتنوع عناصره المعمارية بين واجهات هادئة ومآذن شامخة، ليقدم نموذجًا فريدًا يجسد جمال العمارة وروح العصر الذي أنشئ فيه.

من هو ألماس الحاجب

يتضمن جامع ألماس الحاجب واجهتين رئيسيتين، الأولى تقع في الجانب الشمالي للجامع، وتتميز بطابع بسيط يخلو من الزخارف، مما يضفي عليها هدوءا معماريا واضحا، أما الواجهة الثانية، فتقع في الجانب الغربي وتعد الواجهة الأساسية للمبنى، حيث يتوسطها المدخل الرئيسي، يحيط بهذا المدخل حنيتان مستطيلتان، تحتوي كل واحدة منهما على نافذتين، السفلى منهما مستطيلة الشكل ومزودة بمصبعات نحاسية، ويعلوها عتب يضم صنجات معشقة، ثم يعلوه عقد عاتق يحتوي أيضا على صنجات معشقة، أما الجزء العلوي من كل حنية، فيتضمن نافذة ذات عقدين يرتكزان على ثلاثة أعمدة من الرخام، وقد تمت زخرفة هذه النوافذ بخشب مخرم استخدم كبديل عن الزخارف الجصية التي كانت مزينة بزجاج ملون، تعلو هذه النافذة شريط كتابي يحتوي على أدعية دينية.

المئذنة بدورها تحتل مكانا بارزا في الواجهة الغربية، وهي ليست الأصلية، بل تعود إلى العصر العثماني، وتتكون من طابقين. يستند الطابق الأول إلى قاعدة مربعة تضم بابا معقودا، وتظهر المئذنة بشكل مثمن، حيث جرى تشكيل ثمانية أعمدة في الزوايا، فُتحت نوافذ بعقود مستديرة في أربعة من أضلاعها، وتقدم كل نافذة شرفة صغيرة تقوم على صفين من الدلايات، في الأضلاع الأربعة الأخرى، توجد أربع حنايا أصغر حجما من النوافذ، وتشبه عقودها عقود النوافذ السابقة بين الطابق الأول والثاني، تفصل شرفة خشبية ترتكز على أربعة صفوف من الدلايات، أما الطابق الثاني، فصُمم على شكل أسطواني، وينتهي بأربعة كرانيش مكونة من دلايات تحمل فوقها قبة صغيرة تعلو رقبة نحيلة.

وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد رحيل أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المساعد – جامعة مطروح، أن ألماس الحاجب، أو الأمير الماس الحاجب، كان واحدًا من أهم أمراء دولة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ويُعد الناصر محمد بن قلاوون أحد أبرز سلاطين الدولة المملوكية البحرية، حيث مرت دولة سلاطين المماليك بعصرين، أولهما دولة المماليك البحرية، وثانيهما دولة المماليك البرجية.

كما أوضح أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون يعتبر المؤسس الثاني لدولة سلاطين المماليك، أما المؤسس الأول الحقيقي فهو السلطان الظاهر بيبرس، وقد سبقه المظفر قطز، فإذا كان الظاهر بيبرس قد منح دولة سلاطين المماليك شرعيتها من خلال التصدي للمغول بالتعاون مع المظفر قطز، ثم تصديه للصليبيين وطردهم من مدن الساحل الشامي، فإن السلطان الناصر محمد بن قلاوون استطاع ترسيخ قوة الدولة المملوكية، وجعلها القوة الإسلامية الأعظم في عصره.

كما أوضح أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، أنه في سبيل تعزيز هذه القوة، سعى السلطان الناصر إلى توسيع الجيش المصري من خلال شراء عدد كبير من المماليك، وكان من بينهم ألماس الحاجب، الذي أظهر نبوغًا وقدرة كبيرة على المشاركة في الأحداث الكبرى التي مرت بها الدولة، مثل التصدي للتتار، مما ساهم في إثبات مكانة الدولة المملوكية كقوة إسلامية عظمى في ذلك الوقت.

مشاركة ألماس الحاجب في خدمة دولة الناصر

وقد كانت مشاركة ألماس الحاجب فعالة ومؤثرة في خدمة دولة الناصر محمد بن قلاوون، فغمره السلطان بالهدايا والعطايا والإقطاعات، مما أدى إلى توفر فائض مالي لديه، مكنه من بناء مسجد يحمل اسمه.

كما أفاد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، أن في ظل خدمته للسلطان وظهور مواهبه، أصبح الماس الحاجب من المقربين إلى السلطان، وتولى منصبًا هامًا يُشبه وظيفة السكرتير، حيث كان مسؤولًا عن إدخال الناس على السلطان وعرض حاجاتهم عليه، وبذلك ارتفعت مكانته حتى أصبح واحدًا من كبار موظفي الدولة، ونال المزيد من الهدايا والعطايا نتيجة قربه من السلطان، مما وفر له تمويلًا كافيًا لبناء عمل خالد يخلد اسمه وذكراه، وهو مئذنة من مآذن القاهرة الألف، وتُعد هذه المئذنة واحدة من درر المنارات المملوكية.

وأشار أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية إلى أن من العوامل التي ساهمت في روعة بناء جامع ألماس الحاجب، وجود عدد كبير من الخبرات العلمية والفنية التي تراكمت في تلك الفترة، نتيجة هجرة عدد من الفنانين والعلماء والحدادين والنقاشين ومعلمي البناء من بلاد المشرق الإسلامي إلى مصر، هربًا من بطش المغول، كما تكررت الظاهرة نفسها بهجرة العلماء والمهندسين والفنانين الأندلسيين، الذين استقروا في مصر، وقد خدم هؤلاء جميعًا الدولة المملوكية، وظهر أثر ذلك في العمارة المملوكية الشهيرة، التي تملأ أرجاء القاهرة حتى يومنا هذا، وتعد من العلامات البارزة للحضارة الإسلامية، كما أنها تعد من أهم المقاصد السياحية التي يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم.

كما قال شيخ مؤرخي مصر الإسلامية تقي الدين المقريزي في كتاب المقفي الكبير، ترقى ألماس الحاجب في الخدمة حتى أصبح من كبار الدولة، وتولى منصب نيابة حلب بعد شغور المنصب، عُظمت رتبته، لكنه لم يُمنح لقب “السلطان”، وتجمع الأمراء لخدمته، كما اتهم بالخيانة بعدما بلغ السلطان أنه كان يراسل أمراء آخرين (مثل أقوش ثاني الكرك) ويناقش أموراً سرية، بالإضافة إلى اتهامه بإهانة السلطان وممارسة سلوكيات غير لائقة (مثل شربه الخمر مع شاب من خارج القاهرة).

كما أضاف شيخ مؤرخي مصر الإسلامية تقي الدين المقريزي، أن بعد عودة السلطان من الحجاز، قبض على الأمير الماس الحاجب في صفر، وسلّمه للأمير عبد الواحد، ثم أُعدم بعد ثلاثة أيام في قلعة الجبل، كما دفن خارج باب زويلة، وصودرت أملاكه التي شملت أموالاً طائلة ومجوهرات.

كما تم مصادرة أملاكه، فبعد إعدام الأمير، صودرت ثروته التي تضمنت:
– 600 ألف درهم فضة.
– 4 آلاف دينار ذهباً.
– 100 ألف درهم من الفلوس.
– حلي وريش وخلع حريرية.
– مجوهرات وأشياء ثمينة أخرى.
– كما أُخذ رخام داره الفاخرة لبناء جامع.

كما أوضح شيخ مؤرخي مصر الإسلامية تقي الدين المقريزي أن الأمير ألماس الحاجب كان “أغنّم” (أي أعجمي) لا يعرف العربية جيداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى