مصطفى بكري يكتب.. بالعقل سوريا على المحك
الأسد يرحل.. هيئة تحرير الشام تسيطر.. إسرائيل تتواصل
تفاصيل الاتفاق الذي سبق الرحيل.. وأين اختفى بشار؟
في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي بدأتِ المنظمات الإرهابية تنفيذ المخطط. وفي الثامن من ديسمبر سقطتِ العاصمة دمشق، وغادر الرئيس الأسد وبعض مرافقيه إلى خارج البلاد.. انهار الجيش وتفكك الكثير من وحداته. قبلها غادر ألف من الضباط والجنود هربًا إلى داخل العراق.. طيلة الأيام الأثني عشر لم يدخلِ الجيش السورى معركةً حقيقيةً ضد هؤلاء الذين زحفوا من كل مكان، وتجاوزوا الحصون بأسلحتهم الحديثة، وعناصرهم المدربة تدريبًا جيدًا على يد ضباط غرباء جاءوا من أوكرانيا والعديد من الدول الإقليمية والدولية.. أتذكر مقولة نتنياهو التي حذر فيها الرئيس بشار الأسد في أعقاب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان عندما قال بعد سقوط الأسد: لقد قلت قبل أسبوعين: إن بشار الأسد يلعب بالنار وسيدفع الثمن بسبب إمداده لحزب الله بالأسلحة.
كان كل شيء يمضي وفق المخطط، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخرج عن صمته ويعلن دعمه لهيئة تحرير الشام، ويؤكد أنها في طريقها إلى دمشق، إيران تتخلى عن حليفها الاستراتيجي، ووزير الخارجية عراقجي يعلن أن مصير الأسد بات غيرَ معلوم، أما روسيا فقد أعطتِ التعليمات للطيران الروسي بتوجيه ضربات محددة دون التورط في الحرب بشكل كامل. الجامعة العربية تؤجل اجتماعها الوزاري بناء على طلب سوريا، بعد أن أدركت أن هناك خلافًا عربيًّا حول ما يجرى على أرض سوريا.
لقد تداعتِ الأحداث خلال الساعات القليلة التي سبقت سقوط النظام السوري ومغادرة الرئيس بشار وبعض معاونيه إلى وجهة غير معلومة فجر الأحد الثامن من ديسمبر 2024، لقد زحفت ميليشيات «هيئة تحرير الشام» من حلب إلى إدلب إلى حماه، ثم إلى حِمص وأخيرًا إلى دمشق، بينما تحرك العديد من الخلايا النائمة ومعارضو النظام في العديد من المحافظات الأخرى وتحديدًا في محافظة درعا الجنوبية وغيرها، لتمهيد الطريق أمام الميليشيات للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.
كان السؤال المطروح: لماذا يترك الجيش العربي السوري مواقعه، ويرفض الاشتباك مع عناصر الميليشيات التي تخترق المحافظات الواحدة تلو الأخرى؟ يبدو من الواضح أن وزير الدفاع السوري اتخذ قرارًا، وأقنع به الرئيس الأسد يقضي بانسحاب الجيش والاستعداد لمعركة حمص الكبرى، إلا أن سيناريو الأحداث قد أفضى إلى نتيجة مختلفة، فالجيش الذي احتشد حول حِمص ترك مواقعه وانسحب قبل مغادرة الرئيس الأسد بساعات قليلة، وهو أمر يضع كثيرًا من علامات الاستفهام.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها «الأسبوع»، من مصادر عليمة، فإن الاجتماع الذي جرى في قطر بحضور مصر والسعودية والعراق وقطر وإيران وتركيا وروسيا لبحث الأوضاع السورية تضمَّن الآتي:
الاتفاق على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في البلاد ومغادرة سوريا في أسرع وقت.
الاتفاق على تولي رئيس الوزراء السوري الحالي مهام السلطة في البلاد، والتنسيق مع تنظيم «هيئة تحرير الشام».
أن يظل رئيس الوزراء يدير شئون الفترة الانتقالية وإدارة شئون البلاد لحين تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب.
السماح بانتقال عناصر حزب الله الموجودة في سوريا إلى لبنان، وكذلك الحال بالنسبة لقيادات التنظيمات الفلسطينية.
انسحاب جميع الفصائل المسلحة خارج المدن مع بقاء الشرطة المدنية لإدارة الأوضاع في الفترة الانتقالية.
لا مذابح ولا استهداف للعلويين (الشيعة) في مناطقهم أو خارجها، وحماية الأقليات العِرقية الطائفية والمسيحية.
حماية مراقد وبيوت ومساجد آل البيت (السيدة زينب رضي الله عنها) وغيرها.
السيناريو يتكرر:
في العاشر من يونيو 2014 فوجئ الرأي العام في داخل العراق وخارجها بالانتصارات «الصادمة» التي حققها تنظيم داعش على الأرض العراقية، ففي ساعات محدودة سقطت محافظة «نينوي» ثانية كُبريات المحافظات العراقية، حيث اجتاح داعش والقوى المتحالفة معه أرضَ المحافظة بعد أن طوقتها من اتجاهات محددة، ولم يكن من خيار أمام قوات الجيش أو الأمن العراقية إلا الهروب من ميدان المعركة وترك أسلحتهم الثقيلة لتسقط في أيدى المقاتلين ذوي البأس الشديد، المدرَّبين تدريبًا جيدًا على فنون الحرب المختلفة.
وقد نجحتِ الفصائل الإرهابية المسلحة بعد يوم واحد فقط في أن تصل بقواتها العسكرية إلى بلدة «العظيم» ومن بعدها «الضلوعية» على مشارف بغداد الشمالية.
في هذا الوقت أشاد الكثير من القيادات المحلية بممارسات تنظيم داعش والتنسيق مع الأهالي. تلك كانتِ البداية، ولكن الأحداث التالية كشفت عن الوجه الحقيقي لتنظيم داعش، حيث القتل والإرهاب وعبودية النساء. في هذا الوقت لم تسقط بغداد تحت جحافل عناصر داعش، وإنما صمدت وبدأت حرب المواجهة التي أدت في النهاية إلى حصار الجماعة الإرهابية وطردها من غالبية المحافظات.
الأمر يختلف هنا، فالميليشيات التي تلقت دعمًا غيرَ محدود من قوى إقليمية ودولية استطاعت أن تُسقط النظام وأن تدخل دمشق، وتبدأ فرضَ سيطرتها على الأماكن المختلفة، ووضع الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة المختلفة تحت سيطرتها – كما هو متفق عليه -.
وقد طلب الإرهابي أبو محمد الجولاني من رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي تسيير أعمال الحكومة إلى حين، وتم بث لقاء تليفزيوني لرئيس الوزراء يعلن فيه استعداده لإدارة الأمور لحين تسليم السلطة إلى مَن يختارهم الشعب لتولي السلطة في البلاد.
وفي السادسة من صباح الأحد 8 من ديسمبر، أعلن مصدر بهيئة تحرير الشام أنه سيتم بث أول بيان إلى الشعب السوري على شاشة التليفزيون الرسمي، وقد جاء البيان ليؤكد أن هيئة تحرير الشام هي صاحبة القرار في سياق الأحداث التي نشهدها في سوريا.
مغادرة الأسد:
قبيل فجر الأحد بقليل، كانتِ الأمور تتداعى، وكان قد تم إبلاغ الرئيس بشار أن قوات الجيش انسحبت من حِمص، وأن الميليشيات العسكرية الإرهابية على بُعد كيلومترات محدودة من دمشق، وأن هناك كتائب مسلحة قادمة من جنوب سوريا بعد سقوط محافظة درعا في أيديهم، وأن قوات من ريف دمشق انضمت إليهم وأنهم على بُعد كيلومترات محدودة من العاصمة السورية.
كانتِ النصيحة للرئيس بأن يغادر القصر الرئاسي، وبالفعل على الفور جرى اتخاذ القرار، خاصة أن الاستعدادات كانت قد اكتملت في مطار قريب من دمشق.
غادر الرئيس القصر الرئاسي، وعندما سُئل رئيس الوزراء السوري عن مكان اختفاء الرئيس قال: ليس لديَّ معلومات عن مكان الأسد ولا متى غادر!!
الترجيحات تقول: إن الأسد كان أمامه إحدى وجهتين: إما روسيا وإما طهران. تشير المعلومات إلى أن الخلافات التي جرت مؤخرًا بين بوتين والأسد خلال زيارته الأخيرة عندما رفض عرض بوتين بترتيب لقاء بينه وبين أردوغان ترجح عدم توجُّه الأسد إلى موسكو، ومن هنا تشير المعلومات إلى احتمال توجهه إلى طهران، خاصة أن إيران لن تنسى للرئيس السوري دوره في السماح بإقامة خط يربط طهران بلبنان لإمداد حزب الله بالسلاح والمال.
السيناريوهات المتوقعة:
منذ الإعلان عن سقوط الحكم في سوريا انتشرتِ الفصائل العسكرية في جميع أنحاء العاصمة السورية، وتحركتِ الحشود الجماهيرية لإسقاط تماثيل الرئيس السابق حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد، وبدا أن هناك مرحلة جديدة وسيناريوهات متوقعة لمرحلة ما بعد سقوط حكم الرئيس بشار. وتشير جميع التوقعات إلى أن هناك اتفاقًا دوليًّا وإقليميًّا على عدم الاعتراض على شخص أبو محمد الجولاني المعروف بانتماءاته المتطرفة، فهو كان ضمن تنظيم أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ثم انضم إلى تنظيم داعش بقيادة أبو بكر البغدادي، ثم أعلن انفصاله عنه وأسس إمارة لتنظيم القاعدة في الرقة بسوريا، وأعلن مبايعته لأيمن الظواهري، وأسس تنظيم «النصرة» الإرهابي الذي ارتكب جرائم قتل وإرهاب في حق الآمنين في سوريا..
وكانت واشنطن قد غضَّتِ النظر عن اتهام الجولاني بالإرهاب وتحديد جائزة بقيمة 10 ملايين دولار لمَن يدلي بمعلومات تساعد الأجهزة الأمريكية على الوصول إليه، وقد سمحتِ القوات الأمريكية الموجودة في العراق لشبكة تليفزيون (C.N.N) بإجراء حوار تليفزيوني معه في مكانه المعروف في إدلب.
وهكذا أصبحت سوريا الآن أمام سيناريوهات متعددة قد تُفضي إلى أزمات ومشكلات تقود إلى الفوضى والانتقام والحروب الأهلية والانقسام.
أولاً- يُحتمل الإعلان عن خارطة طريق تتضمن فترة انتقالية ترسخ فيها التنظيمات الإرهابية قواعدها، وتستمر فيها العمليات الانتقامية ومحاكمة رموز النظام السابق محاكمات صورية.
ثانيًا- استمرار حالة الفوضى واقتحام المقار الأمنية والسياسية والحكومية، مع انتشار عمليات السرقة والنهب كما حدث بالأمس في القصر الجمهوري وإدارة الجمارك والسفارة الإيرانية وغيرها.
ثالثًا- دمج العناصر الإرهابية في إطار الجيش العربي السوري، مع تولي أمور القيادة، وصولاً إلى تغيير عقيدة هذا الجيش.
رابعًا- تزايد حِدة الخلافات بين المعارضة السياسية والعناصر الإرهابية التي ستصر على احتكار المناصب الرئيسية للدولة.
خامسًا- المشاركة في حصار حزب الله وقطع طريق طهران – لبنان استجابةً لمطالب إسرائيل.
سادسًا- فتح المعسكرات لتدريب الإرهابيين الذين ينتمون إلى عدد من الدول العربية وإيواؤهم وتحديدًا في الدول المجاورة.
سابعًا- إشعال الفتن المذهبية والطائفية مما يهدد بنشوب حروب أهلية قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
التطورات خطيرة، والأحداث متلاحقة، والزمن سيكشف الكثير من الحقائق الصادمة.. سوريا لن تكون الأخيرة، بل سيمتد الأمر إلى بلدان أخرى.. من هنا كان حرص الرئيس السيسي مبكرًا على بناء جيش قوي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، واستخدام الحكمة في إدارة الأمور، واستخلاص العظات والعِبر، ورفض التصالح مع الجماعات الإرهابية التي تحاول بكل السبل نشر الشائعات والأكاذيب والتآمر ضد الوطن ومصالحه. من هنا كان بيان وزارة الخارجية مؤكدًا على ذات ثوابت الدولة المصرية عندما أكدت وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السوري حيث طالبت بضرورة إنهاء معاناة الشعب السوري والتوصل للاستقرار وبدء عملية سياسية شاملة ومتكاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلي واستعادة وضع سوريا الإقليمي والدولي