عادات و تقاليد

القهوة العربية.. من رمز ضيافة إلى بيولوجيا اجتماعية

أسماء صبحي– قلب الصحراء حيث تمتد خيام القبائل العربية كالسحب على كثبان رملية مترامية، تقف الدلالة الحقيقية للكرم والضيافة “القهوة العربية”. فهي ليست مجرد مشروب بل طقس اجتماعي له مكانة خاصة في النسيج الثقافي للبادية والقبائل منذ القدم.

بداية العادة وتطورها

ذكرت عادة تقديم القهوة في الثقافة العربية باعتبارها رمزًا عميقًا للكرم والتفاخر، حيث تعد إشارة تكريم للضيف. وقد تطورت في سياقات مختلفة بين القبائل خاصة في البادية حيث تقدم القهوة أولاً. يتبعها الطعام وساعة القرى (وجبة ضيافة فورية). ثم وليمة واسعة يدعى إليها الجيران كما عرف في تقاليد الضيافة البدوية.

آداب تقديم القهوة العربية

تختلف أنماط تقديم القهوة حسب المنطقة، لكن هناك نقاط مشتركة لا غنى عنها:

  • الترتيب والمظهر: يسكب القهوة من الدلة عادة بوقوف المقدم ويمسك بها بيده اليسرى فيتم تقديم الفنجان باليد اليمنى. ويجب أن تكون الكمية في الفنجان محددة فإذا امتلأ قد تفسر كإهانة للضيف.
  • طريقة الصب: من السنة البدء باليمين وتكرر عملية الصب حتى يهز الضيف الفنجان أو يقول “كفى” مما يدل على اكتفائه.
  • آداب الضيف أثناء الشرب: يجب على الضيف استخدام اليد اليمنى لأخذ الفنجان وإعادته. عليه شرب فنجان واحد على الأقل والتوقف عند ثلاثة. الجلوس باستقامة وعدم النفخ في الفنجان وهز الفنجان للإشارة للاكتفاء، وعدم وضع الفنجان على الأرض.

طقوس خاصة في مناسبات معينة

قت تختلف الطقوس حسب الحالة:

  • في أمام الحزن: يمنع إصدار صوت من الفناجين (الفرك) حتى لا يكثر الضجيج، بينما في الأفراح يصدر “القهوجي” صوتًا خفيفًا للتنبيه.
  • رمزية السكين على الدلة: في العادة وضع السكين على الدلة يعني غياب رجل البيت. مما يدل على أن الضيف مدعو للضيافة الذاتية أو المبيت وقد تأخذ تفسيرات مختلفة بحسب العادات المحلية.
  • بعض الأقوال الشعبية: مثل: “الأول لراسي والثاني لبأسي والثالث لعماسي”. مما يدل أن الفنجان الأول للتركيز، والثاني للشجاعة، والثالث لتخفيف الصداع. أو عبارة الضيف “قهوتكم مشروبة” كتحية شكر لاهتمام المضيف.

القهوة العربية في المناسبات الرسمية

تفتتح المناسبات الكبرى مثل الأعياد أو الأعراس عادة بالترحيب الشعبي. يتبعه تقديم القهوة العربية والتمر ثم الأطباق التقليدية كالكبسة والمندي والمشاوي. مع تنظيم ترتيبات الجلوس والتفاعل الشخصي اللائق مع الضيوف.

خلال رمضان، تجسد الضيافة أسمى معاني التكافل حيث يبدأ الاستقبال بالتاريخ النبوي (التمر والماء) ثم تتوالى الأصناف المتنوعة مع حرص المضيف على أفضل ما لديه من أطعمة وأواني للضيوف.

ويقول الدكتور نبيل الحارث أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة المدينة الثقافية بمكة المكرمة: “تقديم القهوة العربية يتجاوز كونه طقساً استقبالياً. فهو عنصر معياري في التكوين الاجتماعي للقبائل. فكل حركة أو صرة هنا تحمل دلالة احترامًا، دعوة للاستمرارية. وترك إرث من الضيافة كحلقة انتقالية من جيل إلى آخر”.

وأضاف: “في المجتمع القبلي من لا يقدم القهوة يعد ناقصاً في الخلق. لأنها تعكس قيم التضامن، الانتماء، والكرم العابر للزمان والمكان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى