المزيد

أبو الحسن الحراني: طبيب بغداد البارع في فنون الطب وعجائب العلاج

أبو الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني، واحد من أبرز أطباء عصره، تميز بالبراعة والمعرفة الواسعة، حيث أتقن أسرار الطب والعلاج وكان بارعاً في التشخيص، لكن لم يكن يشارك معرفته بسهولة. عندما دخل عضد الدولة إلى بغداد، كان أبو الحسن أول من قابله برفقة طبيب آخر يُدعى سنان، كلاهما كانا من أمهر الأطباء، حيث اعتادا على معاينة المرضى يوميًا والذهاب إلى دار السلطان.

عندما قدما نفسيهما لعضد الدولة، أبدى عدم رغبته في الاستعانة بهما. شعر الطبيبان بالإحراج لكن سنان أصر على أن يعودا إلى السلطان ويعرضان عليه فكرتهما. فقال لعضد الدولة إن مهنة الطب تهتم بصون الصحة وليس معالجة الأمراض فقط، وإن الحاكم نفسه يحتاج لمثل هذه الرعاية، فأُعجب السلطان بكلامه ووافق على تعيينهما بجوار أطبائه.

يروي عبيد الله بن جبرائيل حادثة وقعت مع بائع كبود كان يمر الطبيبان من أمامه يوميًا، حيث كان يُكرمهما ويشكرهما، وذات يوم لم يجداه في مكانه. وعندما سألوا عنه، علموا أنه توفي، فأثار ذلك فضولهما فتوجها لرؤية الجثة. وبعد تشاور قررا فصده، وخرج منه دم كثيف حتى عاد للحياة، وبات يتعافى شيئًا فشيئًا ليعود بعد أيام لدكانه. وعندما سئلا عن السبب، أوضحا أن امتلاء جسده بالدم الكثيف من تناول الكبود قد أدى إلى انغلاق حرارته الداخلية، وفصده أتاح للحرارة الانتشار مجددًا.

في حادثة أخرى، توجه أبو الحسن لزيارة قريب الشريف الجليل محمد بن عمر الذي كان يعاني من ضيق تنفس شديد، وبعد فحصه نصحه بعدم الفصد رغم تخفيفه للأعراض بشكل واضح، إلا أن بعض الأطباء الآخرين أشاروا بالعكس وأقنعوا المريض بالفصد، وبالفعل شعر المريض بتحسن مبدئي.

لكن أبو الحسن حين علم بالأمر أكد أن هذا التحسن مؤقت، وأنه سيصاب بحمى حادة لن تقل عن سبعين يومًا، وقام بتسجيل التدابير اللازمة لفترة علاجه. كما توقع، تعرض المريض للحمى وبقي طريح الفراش، ولم يشفى إلا بعد انتهاء المدة.

أبو الحسن الحراني كان رمزًا للعلم والدقة في الطب، متمسكًا برأيه ومؤمنًا بعمق معرفته، حيث استطاع بأبحاثه العميقة ونصائحه العلاجية أن يُثبت مكانته كأحد أعظم أطباء بغداد في زمنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى