وردة اليازجية: الشاعرة التي حملت لواء الأدب الكلاسيكي وتحدت التحديات
ولدت وردة اليازجية في بلدة كفر شيما القريبة من بيروت، في بيت أدبي تميز بالعلم واللغة. فهي ابنة الأديب الكبير نصيف اليازجي، وأخت لكل من إبراهيم وخليل اليازجي، اللذين برزا في علم اللغة. منذ طفولتها أبدت وردة شغفًا بالأدب والقراءة، ما دفع والدها إلى تعليمها اللغة العربية بنفسه، ولم يتوقف عند ذلك، بل عهد إلى إحدى المدرسات بتعليمها اللغة الفرنسية، وكان يُرسل لها رسائل شعرية حين يغيب عن المدينة، لترد هي عليه بشعر مماثل، مما ساهم في تنمية قدراتها الأدبية والشعرية منذ الصغر.
من هي وردة اليازجية
في عام 1283هـ (1866م)، تزوجت وردة وأنجبت خمسة أبناء، وأظهرت تفانيًا كبيرًا في تربيتهم كما كانت قد اهتمت سابقًا بتربية أخواتها. وكانت تساعد والدها في الاعتناء بأخواتها أثناء نشأتها. وعلى الرغم من مسؤولياتها العائلية، لم تتخل وردة عن مظاهر العزة والوقار، فكانت ترتدي الطربوش وتتمسك بالعادات والتقاليد التي تربت عليها. بجانب ذلك، استمرت في التدريس في أحد المعاهد الأهلية، ما جعلها تجمع بين مهام الأسرة والتعليم في آن واحد.
هاجرت وردة اليازجية إلى مصر في عام 1317هـ (1899م)، واستقرت في مدينة الإسكندرية، حيث أقامت هناك واستمرت في نشاطها الأدبي. كانت بينها وبين الشاعرة المصرية عائشة التيمورية مراسلات شعرية جميلة قبل أن يلتقيا وجهًا لوجه في مصر. اشتهرت وردة بانتقادها للمرأة العربية التي انجرفت نحو تقليد العادات الغربية، مؤكدة على ضرورة العودة إلى اللغة العربية والاعتزاز بالعروبة والهوية القومية. شاركت في هذا التوجه مع رائدات أخريات مثل عائشة التيمورية وملك حفني ناصف، حيث كن جميعًا يدعون إلى الاعتزاز بالقومية والهوية العربية.
أبرز أعمال وردة الأدبية هو ديوانها “حديقة الورد” الذي جمع فيه العديد من قصائدها التي تناولت مواضيع متعددة، إلا أن شعر التأبين والرثاء كان له النصيب الأكبر في هذا الديوان. فقد كانت حياة وردة مليئة بالفقد، حيث فقدت والدها وزوجها ومعظم أبنائها وكثيرا من أخواتها، فانعكس هذا الحزن العميق في قصائدها التي عبرت عن الألم والشجن بفصاحة وقوة تعبيرية.
وردة اليازجية تُعد من أبرز رواد الشعر العربي الكلاسيكي في عصرها، وكان لبيئتها العلمية والأدبية الفضل في نبوغها وظهورها على الساحة الأدبية. فتحت الطريق أمام النساء اللواتي يمتلكن مواهب أدبية ليواصلن السير على نهجها، وتوفرت لها بيئة محفزة للتميز، ما جعلها رمزًا للمرأة المثقفة والشاعرة التي تحدت الظروف الاجتماعية لتبرز في مجتمعها.
رحلت وردة عن الدنيا بعد أن بلغت سن السابعة والثمانين، تاركة وراءها إرثًا أدبيًا كبيرًا، وبصمة في تاريخ الأدب العربي الكلاسيكي.