عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي يكتب :إذا أصابهم البغي هم ينتصرون!
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي يكتب :إذا أصابهم البغي هم ينتصرون!
ليس المطلوبُ الكثير، وخيرُ الكلام ما صَفَّدَ الشياطين، وهل خيرٌ من كتاب الله القوي العزيز؟!
(وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ) ٣٩/ الشورى.. صفةٌ من صفات الصادقين المتقين ضمن صفاتٍ عدة كريمة، “فإذا” ظَرْفُ زمان، مظروفٌ فيه البغيُ، فهو واقعٌ لا محالةَ بالمؤمنين، وحينَها يظهر المخلصون الصادقون، فينتصرون لمن وقع عليهم البغيُ من أهل دينهم وإخوانهم، بل وحتى من أهل إنسانيتهم من سائر البشر والأديان المظلومين..
اليومُ -الذي نعيشه- هو زمانٌ يُظْرَفُ في داخله البغيُ على المؤمنين، ولا يسعُ المؤمنَ الشاهدَ على الظلم إلا أن ينتصر فيه للمظلوم، من حيثُ موقعُه، وبما يسعه، وليس هو مخيرا بين الانتقال من الأمكن إلى الممكن؛ فلا ينتقل من اليد إلى اللسان ولا من اللسان إلى القلب..
إنَّ استكانةَ (المسلمِ) وركونَه إلى صلاته وقيامه وسائر عباداته الظاهرة لا يُسْقِطُ عنه واجبَ الانتصار المُقدَّمَ عليها جميعا، لِمُتَعَلَّقِ الإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، المُؤثَّمِ قطعا: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ) البقرة/ ٢٠٥ ، كان حاكما أو محكوما، دولة أو فردا، عسكريًّا أو مدنيًّا، فإنه لا يغني عنه تعذُره من الله شيئا، وهل فوق سِقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وخدمة الحرمين عموما من عملٍ كريمٍ في ظاهره، جمعَ خيرَ الصلاة والزكاةِ والصوم والحج، إلا أن هذه الخدمةَ ليست شيئا مقابلَ ظلم أهلها وتركِهم للواجب عليهم من النصرة، فضلا أن يكونوا من المشاركين المتواطئين في العدوان ولو بشِقِ كلمة، وليست شيئا مقابلَ جهادِ من جاهد من المؤمنين بماله ونفسه… ليست شيئاً في ذلك كلِّه، ولا تغني عنهم من الله من شيء إن خزر الساقون، وغدر العامرون، فخانوا الواجب عليهم في نصرة المظلوم، وقد نصَّ على هذا الحكمِ -الباقي إلى يوم الدين- الكتابُ العزيز استنكارا مُغَلَّظًا: (أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ) التوبة/ ١٩، ولا عبرةَ بخصوص السبب مع عموم اللفظ، ولو أراد الله المشركين خاصةً -الذين نزلت فيهم يومئذ، حيث كانوا سقاةَ الحاجِّ وعمّارَ المسجد- لجاءت الآيةُ مختومةً: “والله لا يهدي القوم المشركين”، ولكنه عمم الحكم، فكانت “والله لا يهدي القوم الظالمين”، فالحكمُ واقعٌ على كل ظالم، تدَثَّرَ بالإسلام أو بغيره، ولم يَقُلْ أيضا سَقْيًا ولا عَمْرًا لبيانِ عمق العمل، حتى بات كالصنعة لأهله، فاستخدم صيغة (فِعالة) للمهن، ما يعكس المقام والمهابة والمرجعية والخبرة العتيقة للساقي والعامر من دون الناس، رغم تلكم الوجاهةِ فهي ليست بشيء مقابل (من آمن بالله وجاهد في سبيله)، وارتبط هذا السياق -في سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وعدمِ دعم من جاهد في سبيله فضلا عن معاداته- ارتبط بالظلم، ذلك أن في القيام بهذين العملَينِ منفعةً دنيويةً آكدة، يتبارى لها الناس؛ عوائدَ اقتصاديةٍ كبيرةً لخزينةِ الدولة (السياحةَ، والسياحةَ الدينيةَ خاصة)، ومقامَ الوجاهة والمرجعية والقيادة (الدينية)، وهما منفعتان يتمسكُ بهما أعتى الناس ظلما وجورا وجبروتا، ولو كان فرعونَ موسى أو مودي الهند، لذلك لم يغنيا عن القائمين عليهما من الله شيئا، ما كانت ألقابُهم وأسماؤهم، إلا أن يُرْدَفا بعملٍ صادق، يُترجمُ الجانبَ القِيَمِيَ والأخلاقي للقائمين على الحج وعِمارة المسجد، فيمنعهم عن الظلم، ويحملهم على أداء الواجب متى حلّ ولزم، وهكذا هي الشعائر الأخرى الظاهرة من صلاة وصوم وغيرها، لا تغني عن صاحبها من الله شيئا إن لم يترجمْها العمل، وينطقْ بها الواقع، وتكشِفْ عنها المواقف، ويدللْ عليها الفعلُ وردُّ الفعل، وهذا المعنى -في عدم إغناء ظاهر العبادة كالصلاة وغيرها لأصحابها إن اتشحوا بالظلم عن معرفة وإدراك، فلم تصدقها أعمالهم وأفعالهم- هو حكمٌ مُطَّرِدٌ في الكتاب العزيز؛ ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) الماعون/4-7، (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/ ١٤٢، وغيرها من آيات تثبت هذه العقيدة وتؤكدها.
أما وقد قررنا ذلك فنقول لحكومات دولنا ومسؤوليهم عامةً من حاكمهم لأصغر واحد في هرم المسؤولية والقرار، لستم في منأىً ولا عذرٍ -في ذكرى إسراء نبيكم ومسراه، ومعراجه ومرتقاه- عن نصرة غزة خاصة، وفلسطين عامة، بالرجال والسلاح والعتاد فضلا عن اللقمة والماء، سواءً اعتمدتم على عهد ربكم وميثاقه بكم، أو على إنسانيتكم وضمائركم، أو على مواثيق الأمم المتحدة وشرعية مراجعها، أو على ديمقراطيةٍ وحريةٍ (مزعومة)، أو على أيِّ معنىً إنسانيٍّ عامٍّ، أو حتى على الخزي والعار واللعنات التي ستطالكم وعَقِبَكم من التاريخ وكِتَابِه -إن أنتم خزرتم دينكم، وخنتم أماناتكم-، وأنتم في قبوركم رِمَم… لا عُذرَ لكم عند الله وعند الناس و التاريخ، ومحاذيرُكم ليست بشيء، وشعاراتُ إطاعة ولي الأمر العمياء، والتي تؤدي إلى عبادته -صنما- من دون الله، حتى إذا عصى الله عصَوه، وإذا أطاعه أطاعوه، ليست هي بشيء كذلك، ووقوفُكم دون ذلك من المواقف الشريفة من أمثال طرد سفراء أنظمة الإرهاب العالمي وأباطرته، التي صيّرت العالمَ غابا وخرابا، وقرصنتْ مؤسساتِه، وعبثت بقوانينه وأنظمته ومعاهداته؛ أمريكا وما يليها من قطيعِ بهائمَ عَفِن، إن هذه المواقفَ الاعتراضيةَ أمرٌ واجبٌ عليكم، فضلا عن الاستنكار وتقديم المذكرات لسفراء هذه الدول المجرمة بما تقوم من مجازرَ وتصريحات عنصرية بغيضة على أعلى مستوياتها السياسية والعسكرية وحتى الثقافية والإعلامية… بل والأوجبُ منها اليوم التراجعُ عن اسطوانة “حل الدولتين” المشروخة، التي سَوّق لها الغربُ لتثبيتِ هذا المسخِ الجائرِ في خاصرةِ الأمة، وما زالت ألسنتُكم تلوكها، وكأن أعينَكم عمياءُ عن تصريح الكيان المجرم وسياسييه وعسكرييه الفَجَّةِ، وبياناتِهم المتعاليةِ والفَضَّةِ في وجوهكم، وعدمِ اعترافهم باسطوانتكم الميتة، رغم القرارات الأممية المؤيدة لكم، فهل من وهْنٍ أتعسُ من وهْنكم، ومن دبلوماسيةٍ أذلُّ من دبلوماسيتكم، ومن جيلٍ خائبٍ نُكِبتْ به العروبةُ في جاهليتها والإسلامِ أقبحُ من جيلكم؟!
إن التراجعَ عن خطيئةِ “حل الدولتين”، والدعوةَ إلى قيامِ دولةٍ فلسطينةٍ واحدةٍ من البحر إلى النهر، ولو كلَّ دولة حرة بقرارها، براءةً إلى الله، والعدالة، والحرية، والديمقراطية، والتاريخ، واستجابةً للوعي العالي العالمي، وما ينادي به العدولُ من الشعب الأمريكي وغيرهم من أحرار العالم، والتخلصَ من نفايات هذه الخطيئة ومخلفاتها عربا وعجما وطمرَهم، والرجوعَ إلى الأصلِ لَهُوَ أمرٌ واجبٌ عليكم؛ إقامةِ دولةٍ حرةٍ واحدةٍ اسمُها فلسطين، يعيش فيها المسلمُ والمسيحيُّ واليهوديُّ وغيرُهم بمساجدهم وكنائسهم وأديرتهم التي أوجب الله الحفاظَ عليها جميعا جنبا إلى جنب بسلام وأمان، كما عاشوا من قبلُ مئاتِ السنين، بدلَ هذا الكيان العنصري النازيِّ المجرم، صُنوِ داعشَ، وشقيقِها، جمعهما أمٌّ واحدةٌ شيطانة، ورحمٌ واحدٌ رجيم… فمن تَمكَّن منكم من المدِّ بالرجال والسلاح والمال في سبيل ذلك، وقطع المؤن نفطا وماء وغذاء عن الكيان المحتل، حتى رفع إبادة غزة، وحتى قيام فلسطين وتحريرها كاملة، ومنعِ طيران الكيان المجرم من التحليق في أجوائه وغيرها من مواقف واجبة فإنه لا يسعه النزول عن أيٍّ منها إلى تصريحات وبيانات بلهاءَ خاوية.
إنه لأمر جلل أن تتبارى دولُنا العربيةُ لتعزية أعتى نظام إرهابي عالمي، وأكبرِ خطرٍ على البشرية، وعلى الحياة في كوكب الأرض قاطبة، في جنودٍ ثلاثةٍ قُتِلوا، ودولتُهم حربٌ على الإنسانية، وعلى الحجر والبشر والصغير والكبير، وكأنهم -من تغييبهم- يستكثرون أن يُقْتَلَ من تلكم الدولة المارقةِ أحدُ جنودها، في معركة هم مشعلوها ومجرموها، أو تنالهم صَلْيَةٌ مضادةٌ لصَلياتهم التي يَكْوُونَ بها الأطفالَ والنساء والشيوخ والمرضى والعجزة في فلسطين، بينما لا يستكثرون قتلَ بني جلدتهم وتدميرَ بنيتهم التحتية، وهدمَ مساجدهم وكنائسهم وبيوتهم، في موقفٍ مخزٍ مذلٍّ مهين، هذا وهم أشرف العرب اليوم، بالنظر لمواقف الآخرين الشائنة من صهاينة العرب المنبطحين الأتاتوركيين، الخارجين على الحضن العربي والإسلامي، المرتمين في حضن الغرب الحاقد الظالم، في فكرهم المتطرف وإرهابهم الصِلف، المستحقين -لخيانتهم وغدرهم- المقاطعةَ حقَّ الاستحقاق، والتنكيلَ بهم أشدَّ التنكيل، والجهرَ بعداوتهم أظهرَ الجهر، ولعاصفةِ حزمٍ وحسمٍ تكويهم، وتزلزل عروشَهم، وتردُّهم إلى جادة الصواب، وتبعثهم من سكرة غرورهم، أولئك العابثون الذين عندما سيروا جيوشا، ورفعوا سلاحا، وأطلقوا صاروخا، وأرسلوا طائرةً، وأعلنوها مقاطعةً، فعلوا كلَّ ذلك ضد العرب، جيرانهم وإخوانهم، بدعوى الخروج عن الحضن العربي لحضنِ إخوانٍ لهم عربٍ أو مسلمين، وهو لا شك أعدل الحضنين (حضنِ أخِ العروبة والدين، وحضنِ الصهاينة السفاحين والمنافقين)، وعندما احتاج الأمر في قاتلهم ومدنس مقدسات أمتهم، انكبوا مكانهم، وانكفؤوا على أنفسهم، بل صاروا للعدو خيلا وبغالا وحميرا ليركبوها وزينة،…. أولئك الذين يمدون العدوَ المجرمَ في فلسطين المحتلة بالماء والغذاء، عبر برهم وبحرهم وجوهم، وعبر موانئهم، وعبر أراضيهم، في جسر بري وغير بري، وكأني به مكتوبا على ظهره وهو يتبرؤ منهم ؛ (ملعونون أولئك المُسَيِّرُون لي -أنا الجسرَ البريَّ المشؤوم-، المُمِدون بي الكِيانَ المحتلَ من دولٍ وحكوماتٍ وحكامٍ ومسؤولين، ملعونون هم في الدنيا وفي الآخرة.. ملعونون هم على لسان داوود وعيسى بن مريم، وعلى لسان نوح وإبراهيم وموسى ومحمد والنبيين.. ملعونون هم بكلِّ قطرةِ دمٍ زاكيةٍ أسيلت، وكلِّ نفسٍ بريئة أزهقت، وكلِّ كَبِدٍ عطشت، وكل بطن جاعت، وكل رضيع بُقِر، وكل شيخ عُقِر، وكل صرخة سمعت، وكل لسان صمتت، وكلِّ مسجدٍ هُدِّم، وكلِّ كنيسة دُمِّرت، وكل حجر من بيت أو شارع أو مَعلَم أو مرفقٍ فُجِّر، ملعونون هم إلى يوم الدين، وَلْيَموتوا خائبين مطرودين مدحورين…)
كالحُ الوجهِ مُكفَهرُ الجبينِ.. ظالمٌ آثمٌ بدنيا ودينِ
إنه العالَمُ الحقيرُ المعادي.. كلَّ حُرٍّ وكلَّ حقٍّ مبينِ
إنه الشرُّ مُطْلَقًا يتجلى..لا يبالي بطفلةٍ وجنينِ