المزيد

 ابراهيم علوش يكتب: في الاقتصاد السياسي للعملات المشفرة

ابراهيم علوش يكتب: في الاقتصاد السياسي للعملات المشفرة
مخاوف الغرب من العملات المشفرة تنبع من قدرة الدول المحاصرة على استخدامها لتقويض العقوبات المفروضة عليها، وإمكانية تحولها إلى بديلٍ للدولار واليورو، ما يزعزع منظومة الهيمنة الغربية مالياً ونقدياً.

زعم وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، الثلاثاء الفائت، أن أجهزة الاحتلال الأمنية استولت على محافظ رقمية مرتبطة بقوة القدس التابعة لحرس الثورة الإيراني وبحزب الله، وصادرت ملايين الدولارات من العملات المشفرة فيها، وجرى تحويلها إلى وزارة المالية في الكيان الصهيوني.

وأشارت التقارير الإعلامية التي نقلت تصريحات غالانت إلى أنّ تلك المصادرة لم تكن الأولى، إذ يقول تقرير موقع “تايمز أوف إسرائيل” في 27/6/2023 مثلاً إنَّ الكيان الصهيوني استولى على 189 حساباً مشفراً منذ عام 2021، منها 84 حساباً تحتوي 140 ألف دولار صودرت في نيسان/أبريل الفائت، بحسب تقرير في 5/5/2023 للموقع الصهيوني ذاته، بذريعة ارتباطها بتنظيمات فلسطينية.

لكنّ غالانت أضاف أن عملية المصادرة الأخيرة هي الأكبر من نوعها حتى الآن، وأن حزب الله وقوة القدس و”عناصر سورية” دأبوا منذ بداية العام الجاري على تلقي التمويل لتسيير أعمالهم عبر شبكة العملات المشفرة، وأن مصدر ذلك التمويل هو إيران، وأن الأجهزة الأمنية الصهيونية طورت أدوات جديدة لاعتراض التمويل المشفر للنشاط المقاوم.

يحاول الكيان المأزوم طبعاً أن يبدو كأنه حقق نصراً في مواجهة حزب الله، وكأنه يمتلك زمام المبادرة إزاءه، وأنه بذلك أغلق قناةً مهمةً من قنوات تمويله. وبصرف النظر عن عدد الأبرياء الذين ربما يكونون قد تضرروا من مثل هذه المصادرات، فإنّ قليلاً من البحث والتقصي في المواقع المتخصصة بالعملات المشفرة يظهر ما يلي:

أ –حسابات العملات المشفرة المصادرة مؤخراً التي زعموا أنها ترتبط بحزب الله يبلغ عددها 40 حساباً، وهي تحتوي 1.7 مليون دولار (لا ملايين الدولارات).

ب – بعض تلك الحسابات يرتبط بشخصين لبنانيين وواحد سوري، ذكرت تلك المواقع أسماءهم، واتهموا بتحويل أموال من قوة القدس إلى حزب الله، إذ كان المواطن السوري يحول أموالاً إلى حسابي مواطنين لبنانيين.

ج – الأجهزة الأمنية الصهيونية لم تطور أدواتٍ جديدةً لاختراق شبكات العملات المشفرة، بل وكلت شركة خاصة أميركية ذات روابط يهودية مقرها في نيويورك، اسمها “Chainalysis” (الاسم صحيح، وليس خطأً مطبعياً بالإنكليزية)، قامت بتتبع الحسابات المعنية وساعدت في اختراقها.

د – 4 من تلك الحسابات جمدتها الشركة المضيفة “Tether”، لكنها جميعاً جرى تفريغها وتحويلها إلى وزارة المالية الإسرائيلية عن طريق القرصنة الإلكترونية علناً، بمعية الشركة الأميركية، وبإعلانٍ رسميٍ من يوآف غالانت، وزير الحرب الصهيوني.

الحلقة المفقودة في عملية المصادرة
لكل عملة مرجعيتها القانونية والمؤسسية؛ فالدولار الأميركي مثلاً مرجعيته الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، واليورو مرجعيته المصرف المركزي الأوروبي، واليوان مرجعيته مصرف الشعب الصيني، وقس على ذلك بالنسبة إلى أي عملة أخرى.

أما العملات المشفرة، ولا نقول العملات الإلكترونية، لأن بعض تلك العملات تصدرها أو تعمل على إصدارها المصارف المركزية، والروبل الرقمي نموذجاً، لا توجد لها مرجعية قانونية ومؤسسية أسوةً بسائر العملات التي ترتبط بمصارف مركزيةٍ لدولٍ بعينها، بل تتسم باللامركزية، لأن حاملها هو شبكة كبيرة من العقد nodes المنتشرة جغرافياً والمتصلة إنترنتياً، والتي لا يمثل أيٌ منها بذاته شرطاً ضرورياً لوجودها أو لتداولها، كما في حالة المصارف المركزية لعملات الدول المختلفة.

في يوم 28/6/2023 مثلاً، بلغ عدد العقد أو أجهزة الحاسوب بالمعنى الملموس المرتبطة بشبكة Bitcoin، إحدى أكثر العملات المشفرة تداولاً، 44704 مرافئ افتراضية أو أجهزة حواسيب، لكلٍ منها عنوان إنترنتي أو IP Address مستقل. ويزداد عدد تلك العقد يومياً بمقدار ما تزداد تلك العملة المشفرة شعبيةً وتداولاً.

ويوجد اليوم، بحسب مجلة “فوربز” الأميركية في 15/3/2023، نحو 23 ألف صنف من العملات المشفرة، يبلغ مجموع قيمة التداول فيها 1.1 ترليون دولار أميركي، وهذا يعني أن عملة Bitcoin الرائدة عام 2009 بات يوجد مثلها اليوم 23 ألف عملة تقريباً غير خاضعة لإدارة مركزية ومرشحة للتكاثر باستمرار عدداً وقيماً رأسمالية ومتداولين.

نتحدث فعلياً هنا عن 23 ألف برنامج حاسوب أو لعبة إلكترونية، إذا صح التشبيه، جرى تصميم كثيرٍ منها استناداً إلى قوالب جاهزة مكتوبة بلغة C++؛ إحدى أكثر لغات البرمجة الحاسوبية شيوعاً. تلك البرامج/الألعاب تنتج نقوداً افتراضية باتت تهدد احتكار المصارف المركزية في العالم للنقود، وتداول تلك النقود لإجراء المعاملات اليومية، بمقدار انتشاره، بات ينال من عمولة الوسطاء، من مصارف خاصة وشركات تأمين وسياحة وسفر وغيرها، وبالتالي، بات يقوض وظيفياً معنى وجودها.

العبرةُ أن الولايات المتحدة تستطيع إلى حدٍ ما إصدار قوانين وتعليمات تتعلق التداول بالدولار، والاتحاد الأوروبي باليورو، والصين باليوان… لكن لا يستطيع أحد، من الناحية النظرية، أن يمنع تداولَ عملةٍ مشفرةٍ ما، لأنها تستقي مشروعيتها من قوى العرض والطلب، لا من مصرفٍ مركزيٍ أو غير مركزي، ولأنها غير مقيدة قانونياً أو مؤسسياً، ولا تملك أي جهةٍ، حتى الآن، أحقيةَ استصدارِ تشريعات ملزمة دولياً تنظمها، مع أنها باتت تُستخدَم بصورةٍ متزايدةٍ لتداول السلع والخدمات والأصول محلياً وعبر الحدود.

ومن المرجح أن تزداد مأسسة مثل تلك الجهة صعوبةً مع انشطار الاقتصاد الدولي تدريجياً بين أقطابٍ متصارعةٍ في عصرنا؛ عصر أفول القطب الواحد، الأمر الذي لا بد من أن يسرّع تأكل الهيمنة الأميركية في العالمين الحقيقي والافتراضي.

يتيح ذلك بدوره لكل دولةٍ أن تقونن فضاء العملات المشفرة كما ترى، وأن تتدخل فيه على هواها. ولعل ذلك يرضي غرورها سياسياً، لكنه فضاءٌ عابر للمكان فيزيائياً، فهو الوليد الشرعي للشبكة العنكبوتية العالمية الـWorld Wide Web، أو الإنترنت كما تسمى في عاميتنا. كما أن العملات المشفرة هي التتمة الطبيعية لثقافة المصدر المفتوح للبرمجيات “Open-source Software”، لكنْ في حيز صك النقود أو برمجتها إلكترونياً بالأحرى، بعيداً من أي مصرفٍ مركزي وقوانين أي دولة.

يبقى تنظيم ذلك الحيز ككلٍ إذاً سراباً بعيد المنال، على الأقل ما دامت المنظومة الدولية غير خاضعة لهرمية مركزية واضحة المعالم، وحتى ذلك لا يضمن بالضرورة مأسسة النقد المشفر إلكترونياً، لأن القوى المنتِجة للقيمة التي أطلقها الفضاء الافتراضي راحت تتفلت من روابط المكان جغرافياً، وبالتالي سياسياً وقانونياً، مقوضةً صلاحيات الدول ذاتها، لا صلاحيات المصارف المركزية فحسب.

كل ما تملك أن تفعله الدول هو حظر استخدام النقد الافتراضي في إجراء المعاملات على أرضها وضمن ولايتها القانونية، أو حظر “تعدين” وحدات جديدة بالعملات المشفرة محلياً، الأمر الذي يتطلب كمياتٍ مهولة من الكهرباء، وهو ما سنته بعض الدول فعلاً، كالصين مثلاً وبعض الدول العربية. أما منع مواطنيها من تداول العملات الافتراضية إلكترونياً، أو من استخدامها في الدول والأسواق التي تقبلها، وهي كثيرة، فهو أمرٌ يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.

الحلقة المفقودة إذاً في استيلاء وزارة مالية كيان الاحتلال على 40 حساباً تحتوي 1.7 مليون دولار، بذريعة ارتباط تلك الحسابات بقوى أو بشخصيات مناهضة للكيان الصهيوني، هي:

أ – عدم وجود مرجعية دولية مخولة باتخاذ مثل ذلك الإجراء.

ب – أن الأجهزة الأمنية الصهيونية لا يحق لها قانونياً مد يدها إلى حسابات غير المتمتعين بالجنسية الإسرائيلية.

ج – أن تلك الأجهزة باتت تتجاوز “حدودها” المعهودة، المفروضة بقوة الأمر الواقع، بوضع اليد على حسابات مواطنين فلسطينيين تحت الاحتلال.

د – أن قرار المحاكم الصهيونية في كانون الأول/ديسمبر 2022، الذي يمنح الأجهزة الأمنية الصهيونية صلاحية مصادرة كل الأموال في المحافظ الإلكترونية المرتبطة بأشخاص “متهمين” بالمقاومة، لا الأموال المشتبهة بتمويل نشاطات مقاوِمة فحسب، بات يُفَسَر الآن بأنه يعطي الكيان الصهيوني ولايةً كاملةً عبر فضاء العملات المشفرة برمته، بعيداً من جغرافيا فلسطين المحتلة والجولان والفلسطينيين.

هـ – أن عمليات المصادرة تلك تجري بناء على “الاشتباه” بأصحاب الحسابات فحسب من دون محاكمة، وأنها تجري عبر اختراق حساباتهم إلكترونياً، تماماً على طريقة مخترقي الحسابات الإلكترونية (الهاكرز)، وإن كان ذلك يتم أحياناً بالتعاون مع شركات خاصة تضيف حسابات عملات مشفرة بعينها.

وما دمنا نتحدث عن فضاءٍ مفتوح يخلو من الضوابط قرر الصهاينة أن يلعبوا فيه لعبة “قراصنة الكاريبي”، فإن ذلك يعني أنه بات جبهةً أخرى من جبهات الصراع مع العدو الصهيوني، فنحن نعيش في مرحلة حروب الجيل الرابع، حيث تتداخل الساحات ويضعف التمايز بين الحيزين المدني والعسكري، والحقيقي والافتراضي، والأمني والإعلامي، والسياسي والاقتصادي.

لا بد هنا إذاً من استعادة مقولة وديع حداد: “وراء العدو في كل مكان”. وإذا كان مثال مصادرة المحافظ الرقمية صهيونياً يعبر عن شيء، فإنه يؤكد أننا لا نواجه احتلال فلسطين فحسب، بل نواجه حركةً صهيونيةً عالميةً تمتد كالأخطبوط في مفاصل الجهاز العصبي للمنظومة الاقتصادية الدولية السائدة، وهو ما يفشل مسبقاً أي توهان للبوصلة باتجاه ما يسمى “الشرعية الدولية” والقانون الدولي الخاضعين للهيمنة الغربية المندمجة عضوياً في الحركة الصهيونية العالمية.

ماذا تعني العملات المشفرة للهيمنة الغربية؟
في الواقع، صممت برامج العملات المشفرة كي تكون أقل عرضةً للاختراق إلكترونياً من غيرها من المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية. لذلك، فإن تهكيرها من دون دعم الشركات الحاضنة أو الأجهزة الأمنية الغربية ليس بالأمر الهين على الإطلاق.

على رغم ذلك، فإن أحد أبرز أشكال تهكيرها في السنوات الفائتة كان تجميد الحسابات المستهدفة وحرمان أصحابها من القدرة على الوصول إلى أموالهم فيها. وقع أشهر الأمثلة على ذلك في أيار/مايو 2021 عند تهكير منظومة شركة “Colonial Pipeline” التي تنقل أنابيبها مشتقات النفط عبر الولايات الأميركية وإغلاقها، الأمر الذي تسبب في عجز هائل في المشتقات النفطية في ولايات جنوب شرق الولايات المتحدة التي رفعت أسعارها بصورةٍ شبه فورية. ولم تتمكن الشركة من متابعة عملها إلا بعد دفعها 5 ملايين دولار للهاكرز على شكل عملة مشفرة “Bitcoins” كي يتيحوا لها إعادة تشغيل شبكة أنابيبها.

تركّز تقارير الإعلام الغربي على مثل هذه الحالات الإجرامية، وعلى استخدام العملات المشفرة في غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات وغيرها، كي تبرر محاولة الغرب فرض وصايته في فضاء العملات المشفرة، لكنّ مخاوف النخبة الحاكمة في الغرب من العملات المشفرة تنبع حقيقةً مما يلي:

أ – استخدامها من طرف الدول المحاصرة، مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وغيرها، في تقويض منظومة العقوبات الغربية المفروضة عليها.

ب – استخدامها من طرف حركات المقاومة، ولا سيما المناهضة للعدو الصهيوني، لتجاوز قنوات التمويل التقليدية التي يحكِم الغرب سيطرته عليها.

ج – تحولها تدريجياً إلى بديلٍ للدولار الأميركي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني، وإلى بديل لمؤسسات رأس المال المالي الدولي، العامة والخاصة، الأمر الذي يزعزع منظومة الهيمنة الغربية مالياً ونقدياً.

النقطة الأخيرة هي بيت القصيد فعلياً من منظور الاقتصاد السياسي، وإن كان تقويض الحصار مالياً على الدول وحركات المقاومة لا يقل خطورةً سياسياً بالنسبة إلى الغرب الجماعي بالضبط، لأن الحصار وكسره هو أحد ميادين الصراع مع الغرب، أي أنه شرطٌ لازم لإنشاء نظام دولي عالمي بديل.

ليس مفاجئاً أن يربط الغرب إعلامياً هنا محاولات كسر الحصار عبر العملات المشفرة بالعمليات الإجرامية، وأن يربط حركات المقاومة بالإرهاب التكفيري (الذي احتضنه ورعاه)، وأن يربط تجاوز الدولار والعملات الغربية الرئيسية بانفلات سوق النقد دولياً، وأن يسخفها 8 من حملة جائزة نوبل في الاقتصاد، وعدد من محافظي المصارف المركزية في الغرب الجماعي، ومستثمرون كبار مثل ورن بافيت (مالك سلاسل وال مارت) وجورج سورس وبل غايتس وغيرهم.

المفارقة أن أكثر المتحمسين للعملات المشفرة أيديولوجياً في الغرب كانوا ينتمون تاريخياً إلى معسكر أقصى اليمين الرافض لأي شكل من أشكال التدخل الحكومي في الاقتصاد، على غرار “جمعية جون بيرش” في الولايات المتحدة، وتيار “حزب الشاي” في الحزب الجمهوري الأمريكي.

ويرى الليبراليون المتطرفون، مثل المفكر الاقتصادي فريدريك فون هايك، من رموز ما يسمى “المدرسة النمساوية”، المحسوبة بين مدارس علم الاقتصاد على أقصى اليمين الليبرالي، ضرورة إخضاع إنتاج النقد وتوزيعه وإدارته إلى السوق الحرة تماماً، من أجل القضاء على احتكار المصارف المركزية للعملة.

لكن بعيداً من ذلك التحيز الأيديولوجي الليبرالي المتطرف، فإن النخب الغربية تناهض العملات المشفرة اليوم من منظور اقتصادي سياسي، أي من منظور حرصها على الحفاظ على هيمنتها على الكوكب واقتصاده.

على الرغم من ذلك، نجد الغرب الجماعي لا يحظر العملات المشفرة، بل يحاول تأطيرها وتنظيمها لإبقائها تحت سيطرته. ومن هنا، فإن استخدام العملات المشفرة، ضمن قيودٍ معينة، يظل مشروعاً في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا وأستراليا واليابان، أي في الغرب الجماعي.

نجد أن الصين، في المقابل، حظرت التداول بالعملات المشفرة عام 2017 ضمن أراضيها، ثم حظرتها نهائياً عام 2021، وأنها أطلقت اليوان الرقمي بصورةٍ تجريبية في العام ذاته، ونجد أن روسيا وإيران تضع ضوابط معينة على استخدام العملات المشفرة، ولا سيما داخلياً، لكنها تستخدمها لكسر الحصار عليها، ونجد الإمارات العربية المتحدة تتساهل بشأنها، وتتيح تداولها قانونياً، فيما تحظرها قطر والسعودية ومصر والجزائر والمغرب وكثيرٌ من الدول العربية.

يُشار إلى أنَّ استخدام العملات المشفرة محظور رسمياً في لبنان، ولكن الحظر لا يطبق فعلياً، وقد ازداد استخدامها شيوعاً مع انهيار الليرة اللبنانية، كما أنك تجد جبال الشوف تحديداً في قوائم المناطق الشهيرة عالمياً في مجال “تعدين” العملات المشفرة، بحسب معهد “كارنيغي” في تقريرٍ له في 15/9/2022.

يشار إلى أن استخدام العملات المشفرة لا يتطلب سوى اسمٍ وهميٍ وعنوانٍ إنترنتي IP Address، من دون حاجة إلى إثبات هوية أو عنوان فيزيائي، وأن العملة المشفرة تسمى كذلك لأن التداول فيها يجري بصورةٍ مشفرة، وبالتالي آمنة، بين المتعاملين فيها، بعيداً من أعين المصارف المركزية ووزارات المالية وغيرها من المؤسسات الرسمية. يضاف أن عمليات البيع والشراء بين هذين الطرفين غير المعروفين يجري توثيقها في “دفتر حسابات” افتراضي يحفظ في المنظومة ككل لا في خادم مركزي.

ولتشجيع العقد في المنظومة على الانخراط في حفظ الحسابات، تضاف وحدات عملة مشفرة (أي مكافآت مالية) إلى حسابات العقد الأكثر اجتهاداً في توثيق المقايضات، الأمر الذي يتطلب استهلاك قدرٍ كبيرٍ من الطاقة الكهربائية، وهذا هو معنى “تعدين” العملات المشفرة، وهي عملية مربحة تفضَل فيها الأماكن الأكثر برودة التي تنخفض فيها أسعار الكهرباء، على غرار أيسلندا التي تعد الأعلى عالمياً في معدل التعدين بالنسبة إلى عدد سكانها، الذين لم يتعدوا 400 ألف نسمة عام 2023. لذلك، لا تراها في مقدمة الدول المعدّنة للعملات المشفرة بالقيمة المطلقة.

أدى منع الصين من “تعدين” العملات المشفرة على أراضيها مثلاً إلى انتقال المعدّنين في الصين إلى كازاخستان المجاورة، حيث الطاقة الكهربائية أرخص، وإلى الولايات المتحدة الأميركية. ويتوزع تعدين عملة Bitcoin عالمياً وحدها مثلاً عام 2023 على الشكل التالي:

الولايات المتحدة الأميركية: 35.4%.

كازاخستان: 18.1%.

روسيا: 11.23%.

كندا: 9.55%.

إيرلندا: 4.68%.

ماليزيا: 4.58%.

ألمانيا: 4.48%.

إيران: 3.1%.

 ابراهيم علوش يكتب: في الاقتصاد السياسي للعملات المشفرة
ابراهيم علوش يكتب: في الاقتصاد السياسي للعملات المشفرة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى