المزيدقبائل و عائلات

كيف أنقذت قبيلة شمَّر مصر من الاستعمار العثماني؟

دعاء رحيل 

معركة المماليك مع قبيلة شمر هي واحدة من أهم الأحداث التاريخية في العصر العثماني، حيث اندلعت الحرب بين السلطان العثماني محمد الرابع والخديوي إسماعيل باشا، حاكم مصر، على خلفية نزاعات سياسية واقتصادية. وقد شاركت قبيلة شمر، التي كانت تسكن في شمال الجزيرة العربية والعراق وسوريا، في هذه الحرب إلى جانب الخديوي إسماعيل باشا، ضد السلطان العثماني وحلفائه من قبائل عربية أخرى.

تاريخ المعركة

تعود أسباب المعركة إلى سنة 1138هـ/1725م، عندما أرسل السلطان محمد الرابع رسالة إلى الخديوي إسماعيل باشا، يطالبه فيها بزيادة الضرائب التي يدفعها للخزانة العثمانية، وإرسال جيش للقتال ضد الإيرانيين في حروبهم المستمرة. وقد رفض الخديوي هذه المطالب، معتبراً أنها تنتهك حقوقه وصلاحياته كحاكم مستقل على مصر. وقد أثار هذا الرفض غضب السلطان، الذي قرر إقامة حصار بحري على مصر، وإرسال جيش بري لغزوها.

وفي سنة 1140هـ/1727م، توجه جيش عثماني كبير بقيادة رضا باشا، والي بغداد، نحو مصر، محملاً بأسلحة وذخائر. وقد انضم إلى هذا الجيش عدد من قبائل عربية موالية للسلطان، من بينها قبيلة آل سعود، التي كانت تحكم نجد. وفي طريقه إلى مصر، اجتاز رضا باشا منطقة شمال الجزيرة العربية، التي كانت تسكنها قبيلة شمَّر.

وكان شمَّر قبيلة عربية كبيرة وقوية، تنحدر من طيء، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: عبدة والأسلم وزوبع. كان لشمَّر تاريخ طويل من المقاومة ضد الغزوات الأجنبية، سواء كانت فارسية أو تركية أو مغولية.  وكان شمَّر يحظى بحكام شجعان وأبطال بارزين، من بينهم صفوق بن فارس الجرباء، الذي قاد حروب عديدة ضد المغول والتتار في سوريا.

ولم يستطع رضا باشا أن يمر من منطقة شمَّر دون مواجهة، فقد خرج إليه شيخ شمَّر الكبير، عبد الله بن علي الجرباء، ومعه جيش من رجال قبيلته، وتحداه للقتال. وقد اندلعت معركة عنيفة بين الطرفين، في مكان يسمى الحماد، بالقرب من حائل. قد استمرت المعركة لثلاثة أيام، وانتهت بانتصار ساحق لشمَّر على العثمانيين.

وقد كانت هذه المعركة من أشد المعارك التي خاضها شمَّر في تاريخه، فقد قُتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف من رجال شمَّر، وأكثر من خمسة آلاف من العثمانيين. وقد فقد رضا باشا أسلحته وذخائره وأسراه، وفر هارباً إلى بغداد.

آثار المعركة

أحدثت معركة المماليك مع قبيلة شمَّر تغييرات كبيرة في المنطقة، فقد أثبتت شمَّر قوته وشجاعته، وحافظت على استقلالها وسيادتها على أرضها. كما أنها أظهرت ضعف السلطان العثماني وجيشه، وأفشلت مخططاته لغزو مصر. وقد اضطر السلطان إلى التفاوض مع الخديوي إسماعيل باشا، والاعتراف بحقوقه كحاكم مستقل على مصر، كما أنه اضطر إلى التخلي عن بعض المناطق التابعة للإمبراطورية العثمانية في الجزيرة العربية والشام.

وقد كان لشمَّر دور هام في تاريخ الحركات الوطنية والإسلامية في المنطقة، فقد ساندت شمَّر الخديوي إسماعيل باشا في حروبه ضد الإيرانيين، وأيضاً ضد الإنجليز في حروب السودان. كما ساندت شمَّر الشيخ عبد الله بن سبيل في ثورته ضد السلطان عبد الحميد الثاني في نجد.  وفي العصر الحديث، شاركت شمَّر في حروب التحرير ضد الإستعمار الأوروبي في سوريا والعراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى