الرحيل الصادم.. صوت القبائل تنفرد بنشر أول حوار مصور من رحلة كفاح المجاهد الشيخ السيناوي حسن خلف السواركة
تقرير: محمود الشوربجي
أدار اللقاء المهندس: أيمن حافظ عفرة (صاحب الإمتياز وخادم العرب)
في أواخر عام 2019 م، وقبل صدور العدد الأول من مجلة صوت القبائل العربية، التي انفردت بنشر معلومات عن بطولات المناضل الراحل الشيخ حسن خلف الخلفات السواركة، تُنشر لأول مرة، وذلك من خلال حوار صحفي، حيث انفردت بنشر تفاصيل لمهام نضالية كبيرة كان أبرزها تفجير مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية في سيناء.
من هو شيخ المجاهدين الراحل الشيخ حسن خلف الخلفات السواركة؟
هو الشيخ حسن علي خلف الخلفات السواركة، الذي وُلد في عام 1949م في قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، وهو ابن عشيرة الخلفات إحدى عشائر قبيلة السواركة أكبر قبائل شبه جزيرة سيناء.
وشارك الراحل مع عدد كبير من شباب سيناء فى تشكيل منظمة سيناء العربية والدفاع عن سيناء ضد الاحتلال عندما داهمها فى عام 1967م. وجند عددًا من الفدائيين من شباب القبائل وضمهم لخلايا المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقع في قبضة الاحتلال الإسرائيلي في إحدى العمليات وحكم عليه بالسجن 149 عامًا بتهمة قتل الأطفال والتنقل بين ضفتي قناة السويس دون تصريح. قضى عامين في سجون الاحتلال وخرج فى عملية تبادل أسرى عقب انتصار أكتوبر وحصل على نوط الامتياز من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات بعد عودته من الأسر عام 1974.
استقر في قرية الجورة جنوب الشيخ زويد، بعد جلاء الاحتلال عنها في عام 1982، وله دور كبير في إنهاء الخلافات بين العائلات في سيناء. فى حرب الدولة ضد الإرهاب كان موقفه واضح أنه مع الدولة وفقد ابنه في الحرب ضد الإرهاب وعدد كبير من أفراد أسرته في حادثة مسجد الروضة التي راح ضحيتها 305 شهيد.
وغيب الموت صباح اليوم الخميس، المناضل حسن خلف، في محافظة الإسماعيلية وتم نقل جثمانه إلى قرية الجورة جنوب الشيخ زويد مسقط رأسه لتشييع جنازته.
تفاصيل عمليات فدائية في سيناء خلال حرب الاستنزاف
على الرغم من مرور أكثر من 48 عاما على انتصارات أكتوبر المجيدة، إلى أنه لم يسدل الستار بعد عن تفاصيل كثيرة ومهام سرية وفدائية نجحت بجدارة في حرب الاستنزاف والتي انتهت بنصر أكتوبر، وفي الحوار التالي جزء من محطات في حياة المناضل، لكننا ننفرد بنشر تفاصيل أكبر عملية فدائية في سيناء على لسان المناضل الراحل الشيخ حسن خلف في حوار ما قبل الرحيل. وإلى تفاصيل الحوار…
يوم النكسة وإنقاذ الجنود
يوم الإثنين الموافق 5 يونيو 1967 عرفنا أن هناك كتيبة عسكرية كويتية وصلت القاهرة وستستقل القطار متجهة إلى قطاع غزة لمساندة القوات المصرية هناك ففي هذا التوقيت كان خط السكة الحديد ممتد حتى فلسطين ومحدد لهذا القطار أن يتوقف بمحطة العريش 10 دقائق لتحية الوفد الشعبي الذي سينتظره وبالفعل وصل القطار الساعة الثامنة صباحا وكان في انتظاره وفد شعبي كبير من أهالي سيناء يتقدمهم قادة الأسلحة بسيناء وقائد المطار الحربي والمحافظ وأعضاء مجلس الأمة ، كانت هذه الكتيبة مكونة من 330 ضابط وجندي كويتي ونزل قائد الكتيبة الكويتية ومعه ضابطين من القطار ليقدم الشكر على حفاوة الاستقبال وكان الأهالي يتحدثون مع الجنود من شبابيك القطار، وفجأة شاهدنا طائرة حربية عسكرية تحلق أعلى القطار ثم سمعنا أصوات انفجارات متتالية وجاء ضابط شرطة عسكرية أخبر القادة بأن إسرائيل قصفت عدد من المواقع بالعريش وتم ضرب الرادار والمطار الحربي وانقطعت الاتصالات فحدث ارتباك بين المتواجدين فقال قائد الكتيبة الكويتية ( إن دولة الكويت أميرا وحكومة وشعبا تساند شعب الجمهورية العربية المتحدة ويؤسفنا أن تبدأ العمليات العسكرية قبل أن نتخذ مواقعنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ثم أعطى التعليمات للقطار ليتحرك لاستكمال سيرة إلى غزة وعقب تحركه بلحظات فوجئنا بطائرتين إسرائيليتين أطلقت عليه الصواريخ فأحترق القطار بأكمله ولم ينجو من الكتيبة الكويتية سوى ثمانية أفراد.
وبدأت معركة النكسة وكان الطيران الإسرائيلي يغطى سماء العريش ولا يوجد طائرات مصرية نهائيا وكنا نسمع في الإذاعة المصرية أن هناك معارك جوية بين مصر وإسرائيل وأننا متفوقين عليهم وكان دوما المذيع أحمد سعيد يذيع بيانات بأننا أسقطنا طائرات إسرائيلية بلغ عددها 80 طائرة وكنا نستعجب فما يذاع من بيانات لم نشاهده على أرض الواقع فطائراتنا ضربت وهى على الأرض.
الساعة الثالثة عصر اليوم أحتل الإسرائيليين مدينة العريش ودخلت الدبابات لعمق 45 كيلو في سيناء وحاصرت القوات المصرية ولم تحدث معارك برية نهائيا فالمعركة كانت من جانب واحد فقط وقاموا بتدمير كل شيء حتى أن الدبابات كانت تقف أعلى الخنادق الأرضية التي حفرها الجنود للاختباء فيها حتى تمنعهم من الخروج ، فأصبح الجنود المصريين هائمين ومتفرقين بالصحراء ودخلت مجموعات إسرائيلية للبحث عنهم والقبض عليهم ثم يجمعوهم ويكلفوا المجندات الإسرائيليات بإطلاق الرصاص عليهم وقتلهم حتى يدربوهم عمليا على كيفية قتل الأسرى.
ما حدث ليس هزيمة أو نكسة بل مصيبة كبرى فالأهالي هربوا في الصحراء مع الجنود بلا طعام وكانوا يتجمعون حول الآبار لشرب المياه بالرغم من ملوحتها الشديدة ولكن لا بديل أمامهم سوى ذلك وكانوا يوصلون الجنود لأقرب تمركز عسكري حتى لا يضلوا في الصحراء.
وللأمانة وشهادة للتاريخ وبالرغم من أنى لا أنتمى لقبيلتي البياضية والأخارسة إلا أنني يجب أن أعطيهم حقهم فكان لهم دور وطني كبير في تلك الأحداث فكان جميع البدو وأبناء القبائل الأخرى يحضرون إليهم الجنود الفارين في الصحراء وكانوا ينقذونهم ويقدمون لهم الطعام والشراب وفى الليل كانوا ينقلونهم إلى شاطئ بورسعيد لتحضر إليهم لنشات المخابرات الحربية تستلمهم لتعود بهم إلى القاهرة ثم تعطيهم الطعام و الدقيق والأدوية لتعود بها لتقدمها للجنود التي سيحضرها لهم البدو وهكذا .
الثأر لأيقونة العمليات الفدائية
حقيقًا حينما علم الجميع باستشهاد الفريق اللواء عبد المنعم رياض في تلك النكسة الجميع حزن سواء الأهالي أو رجال الجيش وأصبح الجميع يسعى للثأر له فكل فرد أعتبر أنه ثأر شخصي له وحينها فكرت في أن أقوم بعملية كبرى وهى تدمير مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية بالعريش الكائن بمبنى ديوان محافظة سيناء فعقب احتلاله اتخذوه مقرا لهم فقابلت المقدم عادل فؤاد وعرضت عليه الفكرة فقال هذا الكلام مستحيل الحدوث بحكم الموقع الجغرافي للمبنى فهو يقع على ربوه مرتفعة وعلى ساحل البحر ومحيطة بالكامل مكشوف وعليه حراسات مشددة ومحاط بأسوار شائكة ثم ضحك وقال لي ( روح نام ولما تصحى تعال قولي حلمت بأية ) وده سخرية من الفكرة لاستحالة تنفيذها وفى تلك الأثناء دخل علينا النقيب عادل ثابت وحكينا له الفكرة ثم تركتهم ، وبالليل استدعائي النقيب عادل ثابت وذهبت إليه وقولته أنا نمت وحلمت بأني فجرت مقر القيادة الإسرائيلية ونجحت العملية فضحك وأخبرني بأن المقدم عادل فؤاد وافق على العملية وإحنا دلوقتى سندرسها من جميع الجوانب وكان معه في تلك الأثناء النقيب محي وكان راسم خريطة للموقع وقال لي أشرح لنا ما هي خطتك لتنفيذ العملية فرديت عليه أنا لما أكون هناك سأعاين الموقع على الطبيعة وأكيد سأجد نقطة دخول ، فسألني عن احتياجاتي لتنفيذها فرديت عليه بأني أحتاج لفرد واحد لمساعدتي و جمل واحد وأثنى عشر صاروخ وستة عشر لغم أرضى.
وبالفعل تم تسليمي الاحتياجات وترشيح مجاهد معي وتم إحضار الجمل من سلاح الحدود وتم تقسيم الصواريخ إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة مكونة من أربعة صواريخ مرتبطة بجهاز تايمر فخطتي كانت تعتمد على أحداث التفجيرات على مدد متفاوتة لتكبد العدو أكبر قدر من القتلى.
كيف استخدم السواركة الهجن في العمليات القتالية ضد العدو في سيناء
تحركت أنا وزميلي بعد أن وضعنا احتياجاتنا والأسلحة على الجمل وكنا متجهين إلى ساحل البحر المتوسط لنستقل أحد اللنشات التي تم تجهيزها بمعرفة القوات البحرية لتصلنا إلى أحد نقاط ساحل رمانة على ساحل البحر المتوسط لنتحرك منها إلى موقع العملية إلا أننا فوجئنا بإشارة من القوات البحرية تخبرنا بأن الزوارق الحربية الإسرائيلية نشطة في هذه المنطقة وهناك خطورة من نقل المجاهدين إليها ، فقال زميلي نتحرك بالجمل إلى قناة السويس ونعبرها بقارب ويسبح الجمل لنصل إلى الشاطئ الآخر ثم نستكمل السير بالجمل إلى موقع العملية ، فرد عليه المقدم مدحت مرسى بأن الطيران الإسرائيلي نشط ومنخفض على القناة وسيتم اكتشافكم بسهولة بالإضافة إلى صعوبة عبور الجمل للقناة ، فرد علية زميلي نجرب، فذهبنا إلى غرب جسر الملاحة على شاطئ القناة ونزلنا الجمل المياه علشان يعوم ويعبر القناة معنا إلا أننا فوجئنا بالجمل ينقلب على وجهه داخل المياه وانتفخت بطنه ورفض التحرك وظللنا نحاول معه ولكننا فشلنا، كان يشاهدنا في تلك الأثناء جندي مصري يقف بسلاحه بأحد المرتفعات فقال لنا أنا أعرف أعومه فطلب منه المقدم مدحت مرسى الحضور وأن يقف بدلا منه زميل له حتى يعود، قام هذا الجندي بعمل حركة بسيطة للجمل وهى أنه مسكه من ذيله وغطس في المياه وهو يشد ذيله فأنطلق الجمل يعوم بسرعة وعبر القناة في سبع دقائق فقط وحينما عاد بالجمل سألناه عما حدث فقال أن الجزء الأمامي للجمل أثقل من الجزء الخلفي ويستحيل يعوم إلا أذا أثقلت الجزء الخلفي منه وده اللي أنا عملته مسكت ذيله وغطست فثقل الجزء الخلفي وأستطاع أن يعوم بسهوله ، هذا الموقف تسبب في نقل هذا الجندي من خدمات الحراسات ليصبح مسئولا عن تدريب المجاهدين على كيفيه تعويم الجمال ، ومنذ تلك اللحظة أصبح استخدام الجمال في العمليات الفدائية أمرا أساسيا وأصبحت مصدر خطر للإسرائيليين ولم يعرفوا السر حتى الآن.
ثم ذهبنا بعد ذلك إلى سوق الصالحين للجمال وقمنا بشراء جميع الجمال به لنستخدمها في عملياتنا الفدائية وكان التجار يتساءلون باندهاش عن سبب شراء الجمال بهذا الكم الكبير فرد عليهم المقدم مدحت مرسى بأن هناك مواقع عسكرية بجبال البحر الأحمر يصعب نقل الأغذية إليها بالسيارات لذلك سنستخدم الجمال في النقل وبالفعل أقتنع التجار بذلك.
استحضار الفئران طواعية لإخفاء آثار أقدام الهجن
بعد أن نجحنا في حل عقبه تعويم الجمل واجهتنا عقبه أخرى وهى أن القوات الإسرائيلية تقوم برش المياه ليلا بسيارات رش على الرمال الملاصقة لشاطئ القناة من جهتهم وفى الصباح يعودوا إليها لو شاهدوا أي آثار على الرمال يعرفون أن هناك من عبر القناة وتسلل إليهم وتتحرك طائرات الاستطلاع والقوات للبحث عن المتسللين والقبض عليهم .
أحنا كنا بنعرف نخفى آثار أقدامنا عن طريق تصنيع نعال صوف من فرو الخرفان ونقص الفرو ليصبح طولة2 سم فعندما نلبس تلك النعال لن تترك آثار أقدامنا على الرمال ولكن مش حنعرف نخفى آثار أقدام الجمال لأنها تختلف نهائيا عن آثار البنى آدمين فهي أكبر وأعمق بالإضافة إلى أننا مش حنعرف نلبسه النعال الصوف اللي بنلبسها إحنا، فكان معانا مجاهد أسمة مبارك قال سيبو القصة دي على فأحضر خمسة أرغفة عيش ووضعهم على النار وظل يقلب فيهم لغاية ما نشفوا وأصبح لهم رائحة نفاذة ثم طحنهم حتى أصبحوا كالدقيق لكن له رائحة ووضعهم في كيس ورقى ، ثم أحضر سباطة بلح ناشفة – قنو- وبدأ ينفذ فكرته فكان يسير خلف الجمل ويضرب آثار أقدامه بسباطة البلح ثم يرش حولها من دقيق العيش الناشف ففوجئنا بخروج أعداد كبيرة من الفئران من جحورها تتجمع حول الأماكن التي تم رش العيش المطحون بها لتأكله فقطع بدوى اندهاشنا وقال أن العيش الناشف المحروق ده الطعام المفضل للفئران وتجمعها على آثار أقدام الجمال سيخفيها تماما فقلنا له لماذا لم تترك العيش قطع بدلا من طحنة؟ فقال طبيعة الفأر أنه يلتقط طعامه ويجرى ولكن بالطريقة دي أنا سأجبره على الوقوف في مكانه ليلتقط الدقيق والفأر معروف عنه أنه يتحرك ويلتف حول نفسه كثيرا في مكانة وبالتالي ستختفي آثار أقدام الجمل نهائيا وفعلا تأكدنا من ذلك فحينما عبرنا لتنفيذ العملية وأخفينا آثارنا وآثار الجمل بهذه الطريقة جاء الإسرائيليين في الصباح فشاهدوا آثار الفئران فاعتقدوا أن هناك طيور سقطت وتجمع عليها الفئران ليأكلوها ونفذنا عشرات العمليات بتلك الطريقة منها تدمير مستوطنات إسرائيلية بالشيخ زويد و بئر عبد ومطار العريش ولم يعرف الإسرائيليين السر حتى الآن.
بدء تنفيذ العملية
بعد أن ذللنا العقبات بدءنا تنفيذ العملية فتحركنا وعبرنا القناة بالجمل وأخفينا آثار أقدامنا وأقدام الجمل ثم عدنا حملنا الجمل بالأسلحة والمتعلقات وكان لازما علينا أن نسير ليلا فقط ثم نختبئ في مكاننا نهارا حتى لا يتم كشفنا من طائرات الاستطلاع الإسرائيلي والمسافة المحدد لنا سيرها ليلا هي خمسين كيلو وأخطر مسافة هي الخمسين كيلو الأولى لأن تلك المسافة معزولة من السكان ومن السهل كشفنا وبعد تجاوزها سنختفي وسط الأهالي ونصبح في أمان وكانت المسافة بين القناة ومبنى القيادة تستغرق سير ثلاث ليال بتلك الطريقة.
وصلنا العريش وأخفينا متعلقتنا والصواريخ بأحد ضواحي العريش المتطرفة والتي ينتشر بها أشجار النخيل وربطت الجمل ثم ذهبت أنا وزميلي في الصباح المبكر إلى بائع سندويتشات فول بأحد الشوارع المجاورة لمقر القيادة العسكرية الإسرائيلية المستهدف تفجيرها وكان الموظفين يشترون منه الساندويتشات ويفطرون بها في مكاتبهم واشتريت منة ساندويتش وطلبت من زميلي الانتظار حتى أعود إليه وبدأت أتناول الساندويتش وأنا أسير على قدمي و كانت ذقني طويلة وارتدى جلباب قديمة وحافي القدمين وتعمدت أظهر بهذا المظهر حتى أبعد الشكوك من حولي ومشيت في الشارع المتواجد به مقر القيادة فقابلني أول جنديين إسرائيليين فاعتقدوا أنى عبيط فتركوني أمشى عادى في الشارع وأمام البوابة الرئيسية لمقر القيادة ذهبت إلى أحد الجنود الذين يقفون حراسه عليها وكان بجواره زجاجة مياه فطلبت منه أن أشرب وكان قرفان من منظري فبحث عن كوب يصب لي مياه فلم يجد فقال لي إمشى مفيش، في تلك اللحظة كانت عيني تنظر إلى داخل المبنى لتحديد الأماكن التي سأقوم بتفجيرها فشاهدت عنبر وجراج للمدرعات وعربيات جيب وسور داخلي وعرفت توزيعه المباني فأكملت السير حول المبنى من الخارج حتى وصلت لنهاية السور على شاطئ البحر.
سبحان الله أثناء عودتي وجدت تبه مرتفعة وعلى قمتها شجرة أتل – عبل – في مواجهة المبنى وتبعد عنه 400م فقط وكأن ربنا خلقها من قديم الأزل لتنفيذ هذه العملية وإلى هنا انتهت معاينتي للموقع واتخذت قرارا بأن تكون تلك التبة هي نقطه إطلاق الصواريخ ثم عدت إلى زميلي وذهبنا إلى محل باتا واشترى كل واحد منا حذاء رياضي ثم نقلنا متعلقاتنا والأسلحة والجمل إلى ملعب الساحة الشعبية وأخفينا متعلقاتنا والصواريخ بين الأحراش المنتشرة حول الملعب وربطنا الجمل في مكان بعيد عنهم ثم خلعنا أحذيتنا وأخفيناها مع المتعلقات وارتدينا الأحذية الرياضية ونقلنا الصواريخ على دفعات إلى التبة الموجودة أمام المبنى وكنا شايفين الجنود الإسرائيليين متواجدين بالطابق الثاني المواجه لارتفاع التبة.
جهزنا قواعدنا ووجهنا الصواريخ تجاه المبنى وبدأنا تشغيل التايمر فوجدنا عطل بأحدهما فأضطرينا إلى ربطهم جميعا على جهاز تايمر واحد وحددنا لحظة الانفجار وقمنا بدفن التايمر في الرمال حتى لا يسمع أحد صوته ثم نشرنا 16 لغم أفراد حول مكان الصواريخ لينفجر فيهم أثناء المعاينة وحدث ذلك بالفعل الأمر الذي كبد الإسرائيليين الكثير من القتلى والمصابين.
وغادرنا المكان لنختفي وسط الأهالي وقت الانفجار فعدنا إلى ملعب الساحة الشعبية وخلعنا الأحذية الرياضية ومزقناها وألقينا كل جزء بمكان ثم ارتدينا صنادلنا القديمة وخرجنا وهنا يظهر سبب شرائنا لأحذية باتا فأنا أعلم أن معهم قصاصين الأثر ولو كنا نتحرك بحذاء واحد بسهولة كانوا سيصلون إلينا … ثم أخذنا أمتعتنا وأبلغت أحد زملائنا بأن يأخذ الجمل ويربطه في مكان بعيد نهائيا حتى نأخذه في طريق عودتنا إلى القناة ، وذهبنا إلى محل عصير وشربنا عناب وبقينا وسط الأهالي في انتظار لحظة الانفجار.
نجاح العملية والبيانات العسكرية عن العملية
في اللحظة المحددة انفجرت الصواريخ مرة واحدة فأحدثت انفجارا رهيبا جدا اهتزت له المدينة بأكملها وكان الأمر مفزعا للإسرائيليين وحضر “موشية ديان” وزير الدفاع الإسرائيلي إلى موقع الانفجار في أقل من 40 دقيقة وتم تطويق المنطقة بأكملها ومنع الدخول أو الخروج منها وأحضروا قصاصين الأثر ووصلوا حتى الساحة الشعبية ثم أنقطع الأثر نهائيا وتلاشت لديهم فكرة الوصول إلينا من خلال آثار أقدامنا.
أذاعت إسرائيل بيان عسكري بالإذاعة قالت فيه أن صواريخ موجهة موقوتة انفجرت بمبنى القيادة العسكرية بسيناء أسفر عن مصرع خمسة جنود ومجندة واحدة، ولكن أحد شهود العيان من شباب العريش قال أنهم شاهدوا نقل تسعة جثث من جناح الطيارين.
وأذاعت مصر بيان عسكري قالت فيه أن القوات المحمولة بحرا تسللت إلى مشارف شمال سيناء وقصفت مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية على أراضينا المحتلة قصفا مركزا وعادت القوة إلى قاعدتها بسلام فتحول تركيز الإسرائيليين عقب هذا البيان إلى ساحل البحر المتوسط للحاق بتلك القوة واستطعنا نحن العودة من قناة السويس بسلام بعيدا عن أعينهم.
وجميع أفراد القوات المسلحة المصرية قالوا بالعملية دي إحنا أخذنا ثأر الشهيد عبد المنعم رياض.
كيف سقط شيخ المجاهدين في قبضة الاحتلال وكيف نجا؟
يوم الجمعة الموافق 22 يونيو 1970م، كنا ننفذ أحد العمليات وكان معنا جمل سمين وعبرنا القناة وكان معانا 12 صاروخ ومشينا ليلا أول 45 كم المعزولة من السكان وكان متبقي 5كم حتى نكون في أمان وسط الأهالي إلا أن الجمل تعب وتوقف وحاولنا نحركه من مكانة فرفض فأنزلنا متعلقاتنا وربطنا الجمل بمكانه واختبأنا، وفى الصباح كانت أحد طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تجوب الوديان فشاهدوا الجمل فهبطت الطائرة بمعسكر أبو سمارة الذي يبعد 40 كم شرق القنطرة وأبلغوا القوات البرية لتتحرك في الخفاء وتحاصر المنطقة المربوط بها الجمل وتترقب الأمر، وكنا نعتقد أنها غادرت المنطقة ولم تشك في أمرنا وفور خروجنا وتحركنا بالجمل تم القبض علينا ومعنا الصواريخ، وحينما علمت المخابرات الحربية المصرية بذلك طلبت من منظمة الصليب الأحمر أن تخاطب القوات الإسرائيلية لتعاملنا كأسرى حرب لكن إسرائيل رفضت ذلك وقالت أنهم لا يحملون أرقام عسكرية ولا يرتدون ملابس عسكرية لذلك فهم مواطنين من سيناء يخضعون للسلطة الإسرائيلية وسيتم محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية وظللنا محبوسين عشره أشهر حتى جاء يوم المحاكمة.
يوم المحاكمة
دخلنا قاعة المحكمة ووجدنا الصواريخ التي كانت بحوزتنا على منصة القضاة وكان يوجد بالقاعة مستمعين من الفلسطينيين والإسرائيليين عددهم تقريبا خمسين شخص ومراسل هيئة الإذاعة البريطانية ومندوب للصليب الأحمر ودخل القضاة الثلاثة والمدعى العسكري والمحامي الذي أنتدبتة المحكمة للدفاع عنا وإسمه ( فتحي عقيلة ) ومترجم ليترجم ما يقال وما سنقوله.
حينما شاهد القاضي الصواريخ أمر بإخلاء القاعة من الجميع ما عدا مراسل هيئة الإذاعة البريطانية فرفض مندوب الصليب الأحمر أن يخرج فتم طرده بالقوة.
وقف المدعى العسكري الإسرائيلي يتلو لائحة الاتهام فوجدته يقول ( أعتذر لعدم وجود عقوبة الإعدام في إسرائيل ولكن المتهمين يستحقوا الإعدام ولكن الجيش الإسرائيلي الذي انتصر في الماضي وسينتصر في الحاضر قادر على ردع هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم التالية:
التهمة الأولى حيازة هذه الأسلحة الفتاكة لكي يقتلوا بها النساء والأطفال الإسرائيليين الأبرياء الذين لم يعرفوا في هذه الدنيا سوى الابتسامة، التهمة الثانية عبور قناة السويس بدون إذن مسبق من السلطات الإسرائيلية، التهمة الثالثة التدريب على استعمال السلاح بدولة معادية هي مصر ) وطلب تطبيق أقصى عقوبة علينا.
قال المحامي المنتدب للدفاع عنا السادة القضاة أنتم تعلمون أن مصر تطبق التجنيد الإجباري لذلك فهم تدربوا على السلاح وعبور القناة مرغمين دون أرادتهم وفقا للقوانين العسكرية المصرية لذلك أطلب عقابهم وفقا لقانون العقوبات المصري وتقدر العقوبة فيه بالسجن عشر سنوات.
فسأل القاضي هل يرغب أي من المتهمين بالحديث ؟ فقلت له نعم، وسمح لي فقلت له ما جاء على لسان المحامي المنتدب للدفاع عنا لا أساس له من الصحة فنحن عبرنا القناة وتدربنا على السلاح بمحض إرادتنا وسنعبر القناة كلما أتيح لنا ذلك.
أما ما ورد على لسان المدعى العسكري فردى عليه هل يوجد نساء أو أطفال إسرائيليين في سيناء سوى المجندات الإسرائيليات، وهل حصل الجيش الإسرائيلي على إذن مسبق من السلطات المصرية حينما عبر طيرانه قناة السويس ودمروا مدرسة بحر البقر وقتلوا الأطفال المصريين المتواجدين بها الذين لم يعرفوا من هذه الدنيا سوى الابتسامة فصرخ القاضي وقال إخرس، ثم نطقوا بالحكم على بالسجن 149 سنة منهم 99 سنة عن التهمة الأولى و 25 سنة عن التهمة الثانية و 25 سنة عن التهمة الثالثة.
مواقف داخل سجن عسقلان الإسرائيلي
شهدت فترة وجودي داخل السجن الكثير من المواقف فقابلت العديد من الجنسيات العربية ومنهم المحكوم عليه ب500 سنه وسمعت منهم الكثير من القصص والمواقف ولكن هناك قصة لم أنساها حتى الآن حينها كان قد مر على وجودي بالسجن ثلاثة أشهر ففي أحد الأيام وجدت محبوس جديد يدخل إلينا وعرفت أنه جندي مصري تخلف عن الانسحاب من العريش عام 1967 فعاش في سيناء وحينما عرفت إسرائيل ذلك قبضت عليه فاستدعته المخابرات الإسرائيلية من السجن وعرضوا عليه أن يختار بين المحاكمة والسجن أو العمل معهم وفى تلك الحالة سيعطونه الأموال وسيعود إلى مصر وستكون مهمته تصوير قواعد الدفاع الجوي أو رسمها فأختار العمل معهم فاتفقوا معه على تركه بالسجن عدة أيام ثم الإفراج عنه لعدم وجود أدلة إدانة وعقب خروجه سيقومون بتدريبة على كيفية تنفيذ العمل المكلف به.
وحينما عاد إلى الزنزانة وعرف أنى مصري وعرف قصتي طلب منى أن أقابله في دورة المياه لأنه هناك سر يريد أن يفصح عنه وهذا المكان هو الأفضل بين السجناء في الأحاديث السرية لوجود عملاء داخل الزنزانة وبالفعل حكى لي كل ما دار بينه وبين الإسرائيليين وطلب منى النصيحة فقلت له أنا أعلم أنهم يدربون الجواسيس بأحد الفيلات في بئر السبع لمدة ثلاثة أشهر ثم يلقوهم على الحدود الأردنية وسط مجموعة من المساجين ليندسوا وسطهم وتعتقد السلطات الأردنية أنهم هاربين من السجون الإسرائيلية فتعيدهم إلى بلادهم ففي تلك الأثناء أذهب إلى السفارة المصرية بالأردن وأطلب مقابلة الملحق العسكري أو السفير أو أي موظف وأحكى له ما حدث ولا تذهب إلى القاهرة إلا بعد اعترافك في الأردن ليكون موقفك جيد فأكد لي أنه سيفعل ذلك. وانقطعت صلتي به لفترة وكنت أتمنى أن أعرف ما حدث معه وهل أخذ بنصيحتي أم لا.
سر امتحان الجغرافيا والرسائل المشفرة لجهاز المخابرات الحربية
كان الإسرائيليين يسمحون لمن يرغب من أبناء غزه المحبوسين التقدم لامتحانات الثانوية العامة المصرية ويتم عقد اللجنة داخل السجن فتقدم ثمانية محبوسين وكان يحضر بأوراق الأسئلة والإجابة ويراقب الامتحانات مندوب من اليونسكو تركي الجنسية وشاء القدر أن يتم اختيار مدرس لغة إنجليزية مصري من أبناء العريش محبوس ليكون مترجم للمندوب أسمة “مصطفى قطامش” وكان اليهود يضعون تفتيش ورقابة صارمة لمنع تسريب أي ورقة مع كراسات الإجابة.
فسألت قطامش عما إذا كان من الممكن وضع ورقة وسط كراسات الإجابة فقال مستحيل سيتم اكتشافها بسهولة فطلبت منه أن يقنع أحد الطلاب التي ستمتحن بأن أدخل مكانة الامتحان فقال أيضا صعب، فوجدت أحد الطلاب التي ستمتحن أسمة سعيد وطلبت منه أن أدخل بدلا منه في مادة واحدة فقط وأضمن لك النجاح فهو لا يعلم أنى تركت التعليم في الصف الأول الثانوي فسألني أنت شاطر في مادة إية فقولت له الجغرافيا فسكت فترة ثم تردد ورفض فتوجهت إلى رئيس تنظيم الجبهة الشعبية في غزة وأسمة رأفت النجار وهو محبوس معنا والطالب سعيد يخضع لرئاسته في التنظيم وطلبت منه ذلك فأقنع الطالب ووافق مرغما عنه لأنه ملزم بطاعة قائده في التنظيم ولكن صمم على أن أقسم له اليمين بأنني لو كتبت أي رسالة لأي جهة بأن أكتب إسمى بجوار الرسالة ليضمن أنه لو اكتشفت الرسالة أحاكم أنا بشأنها وأقسمت له بذلك وبالفعل أخذت رقم جلوسه ودخلت بدلا منه وكان مقعده في اللجنة آخر الغرفة فاستلمت كراسة الإجابة وكتبت بياناته وأثناء توزيع أوراق الأسئلة وقف مندوب اليونسكو وتحدث مع المترجم المصري بعصبية ثم تركني وعرفت منه أنه قال له هذا ليس الطالب الذي امتحن بالأمس فرد عليه بأن زميله مريض وهو سيمتحن بدلا منه حتى لا يرسب زميله وأختتم حديثة معه قائلا حتبقى أنت واليهود علينا فتعاطف المندوب مع الظرف الإنساني وتركني.
مدرس الجغرافيا الجندي المجهول حتى الآن
فكرت بمن سأخاطبه من خلال ورقة الإجابة فالمنطق يقول أن من ستقع بيده سيكون مدرس مصري لتصحيح الإجابات فكتبت له ( سيدي المصحح أولا أشكر صاحب هذه الورقة الذي ضحى بمستقبلة من أجل بلدي وبلدك فأنا سجين مصري في سجن عسقلان بإسرائيل وهذه اللجنة تقوم بامتحان السجناء بقطاع غزه وأرجو أن تضع في الاعتبار مصير مستقبل هذا الطالب، إسمى حسن على خلف، تم أسري في الحرب وأرجو منك حينما تقع عيناك على هذه السطور فمن أجل بلدي وبلدك وأبنائي وأبنائك أن تسلمها للمخابرات الحربية المصرية، وقصصت بتلك الرسالة قصة الجندي بالتفصيل وقلت أنه هو من جاء لي طواعية وطلب منى النصيحة فأخبرته بالتوجه للسفارة المصرية بالأردن وحددت لهم موعد سفره ووقعت بإسمي بجوار الرسالة نفاذا للقسم مع الطالب وشعرت بذلك أني أرضيت ضميري مع الجندي ونسيت القصة مؤقتا.
والمضحك أنني حينما خرجت من الامتحان سألني الطالب الذي دخلت بدلا منه عن الإجابات التي كتبتها وكان يسألني السؤال وأرد عليه بأي إجابة وتطلع غلط، قعد يصرخ ويقول: “خربت بيتي كل إجاباتك غلط” وزعل مني فترة وبعدها فوجئت به يأتي مسرعا نحوي ويحتضنني بشدة وقالي أنا حصلت على أعلى مجموع في الامتحانات وسألني إزاى وأنت إجاباتك كلها غلط فقولت له مش قولتلك حأخليك تجيب الدرجة النهائية فقد استجاب المصحح لرسالتي وأعطى الدرجات النهائية للطالب.
الإفراج عن شيخ المجاهدين من سجون الإحتلال
مكثت بالسجن الإسرائيلي أربعة سنوات تقريبا وكنت أعتقد أنى سأبقى به حتى الموت فالمدة 149 سنة ولكن لله سبحانه وتعالى له ترتيب آخر فقد ألقت المخابرات العامة المصرية القبض على جاسوس إسرائيلي دخل مصر بجواز سفر مغربي يدعى ” بروخ كوهين” فجن جنون إسرائيل وطلبت من مصر تسليمه لها وأنها ستوافق على أي مقابل له فطلبت منهم مصر تسليمها كل المجاهدين من أبناء سيناء المسجونين بإسرائيل ووافقت على ذلك ، وفى اليوم المحدد لتبادل الأسرى وحينما نزلت من الأتوبيس على الأراضي المصرية وجدت في انتظارنا المقدم أحمد إبراهيم وقال فين حسن خلف وجاء إلي واحتضننى بقوة وحينما تم استلام الجاسوس الإسرائيلي قولتله “حمد الله على السلامة يا عم بروخ” راح قال لي المقدم أحمد إبراهيم باستعجاب إنت بتتمنى ليه السلامة !! رديت علية قولتله ده أنا سأشكره طوال حياتي لأنه هو اللي طلعني من السجن.
ثم توجهت للمقدم عادل فؤاد وهو أحد الضباط التي لها دور هام في تدريبي وتوجيهي واستقبلنى بحفاوة فسألته عن الجندي اللي كان معى في السجن واللي نصحته يروح السفارة المصرية في الأردن فبحث عنه في الأرشيف وعرفت أنه مسجون ثلاث سنوات بسجن ليمان طره واتضح أنه لم يذهب عمان أصلا وألقى القبض عليه في المطار فور وصوله بتهمة التعاون مع إسرائيل.