قبائل و عائلات

قبيلة “العفر” حلقة الوصل بين العرب والأفارقة

د. سيد رشاد

تعددت التسميات التي أُطلقت عليهم، فسموا بـ “العفر”، و”القفر” و”القفار”، و”المعافرة”، و”الدناكل” وغيرها من الأسماء، وتذهب بعض الدراسات إلى أن كلمة “عفر” مشتقة في الأصل من اللفظ العربي “عفار أو غبار”، و”العفر” ـ بحسب المصادر التاريخية – هو اسم أطلقه العرب على سكان المنطقة التي تشمل إريتريا، إثيوبيا، وجيبوتي، وعن سبب إطلاق اسم “عفر” على هذه المنطقة يُقال إن تلك المنطقة كانت تشهد هبوب رياح جنوبية شديدة تستمر لعدة شهور دون توقف، وكانت هذه الرياح تحمل معها كميات هائلة من التراب الذي يعفر كل شيء في المنطقة؛ لذا أطلق العرب على سكان هذه المنطقة اسم “العفر”.

ويرى أحد الباحثين أن لفظة “عفر” محرفة عن “أوفير Ophir” التي ورد ذكرها في العهد القديم وتعني “بلاد الطيب والبخور”، ومن أشهر الأسماء التي أطلقت على قبائل العفر “دناكل”.

و”دناكل”: هو الاسم الذي أطلقه اليمنيون على الشعب العفري نسبة إلى “آل أنكلي” التي عُربت فيما بعد إلى “دنكلي”؛ وهى الأسرة التي كانت تحكم العفر آنذاك وتسيطر على الطرق البحرية مع الجزيرة العربية، وكان العرب يطلقون اسم “الدنكلي” على كل من يأتي من منطقة “العفر” والتي كانوا يسمونها “دنكالا” ويطلقون على شواطئها “بر الدناكل”، ولذا يمكن القول إن “الدناكل” هى قبيلة من قبائل “العفر” وليست كل “العفر”، فالعفر هو الاسم الجامع للعديد من القبائل الأخرى.

 

آدال “عدال” : وهو الاسم الذي أطلقه الأحباش على “العفر” في القرون الوسطى، وهذه التسمية مأخوذة من اسم مملكة العدل الإسلامية وهى إحدى الممالك الإسلامية السبعة التي تأسست مع انتشار الإسلام في منطقة الحبشة.

أود علي: وهو الاسم الذي أطلقته بعض القبائل الصومالية المجاورة على الشعب العفري وهو مأخوذ أيضا من سلطنة “عدل” أو من اسم قبيلة “عد علي” الحاكمة في سلطنتي تاجورة ورحيتا.

الجذور العربية

بحسب المصادر التاريخية تعود جذور “العفر” إلى قبيلة قحطانية يتصل نسبها إلى عفار بن مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن ‏مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه السلام، ومن الباحثين من يرجع أصول “العفر” إلى قبائل البجا التي تنتشر في المنطقة الواقعة من جنوب مصر إلى شرق السودان، وذهب عالم الاجتماع الشهير ابن خلدون إلى أن “العفر” هم بطن من زيد بن كهلان من القحطانية من همدان باليمن.

والراجح بحسب الدراسات التاريخية والاجتماعية أن “العفر” من الشعوب الحامية ذات الأصول والجذور العربية التي نزحت من اليمن مع بدايات انتشار الإسلام، كما يعد “العفر” من أقدم شعوب المنطقة، وتاريخهم ضارب في جذور القرن الإفريقي منذ آلاف السنين بل والقارة الإفريقية بأكملها؛ حيث ترجعهم بعض المصادر إلى العهد الفرعوني في مصر حيث كانت لديهم علاقات تجارية وطيدة مع مصر الفرعونية.

وتذهب بعض الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن “العفر” ذات قرابة بشعوب الأورومو وسيداما والصومال والبجا، كما يعتبرون حلقة الوصل بين العرب والأفارقة.

وتذكر بعض المصادر أن “العفر” نزحوا من اليمن إلى منطقة القرن الإفريقي منذ ما يربو على أربعة آلاف عام واستقروا في إريتريا، وإثيوبيا، وجيبوتي.

ويعيش “العفر” في طبيعة انعزالية واضحة عن العالم العربي والإسلامي الذي ينتمون إليه بالعقيدة والدين ويرجع ذلك إلى الظروف المعيشية القاسية التى يعيشونها وكذلك بسبب طبيعة المناطق التى يقطنون بها.

العفر والإسلام

كان العفريون يدينون بالوثنية قبل الإسلام، ثم تحولوا جميعًا إلى الإسلام، وكانوا من أوائل من آمنوا به عندما هاجر المسلمين هجرتهم الأولى إلى الحبشة.

والثابت أن شعب “العفر” يرتبط ارتباطا وثيقا بأصوله الحضارية التي ينتمي إليها وهى العروبة والإسلام. فجذورهم تنتمي إلى الجزيرة العربية، وهم يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية الأخرى ويستعملونها في شتى مناحي الحياة، وهم شعب مسلم يتمسك بدينه وتقاليده الإسلامية إلى أبعد الحدود.

 

وكما ذكرنا آنفا، يدين معظم المعافرة بالدين الإسلامي؛ حيث بدأ تحولهم إلى الإسلام في القرن العاشر الميلادي نتيجة اتصالهم بالتجار العرب من شبه الجزيرة العربية، وبسبب الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يشغله العفر على البحر الأحمر وباب المندب وكان ميناء “معدر” العفرية معبرًا للفوج الأول من الصحابة رضوان الله عليهم إلى أرض النجاشي ملك الحبشة.

المثلث العفري

تنتشر القبائل العفرية في منطقة تسمى بـ”المثلث العفري”؛ حيث تشكل مثلثا يبدأ من إثيوبيا التى تصل نسبة العفر فيها إلى 4% من إجمالي تعداد السكان، وإريتريا التي يمثل العفر فيها نسبة 10%، وصولا إلى جيبوتي؛ حيث يمثل العفر نسبة 50% من إجمالي سكانها، ولكن مع الزحف الصومالي على جيبوتي أصبح العفر يشكلون أقلية هناك، ويصل إجمالى تعداد العفر إلى أكثر من سبعة ملايين نسمة.

 

تجارة الملح

يشتهر “العفر” بتجارة الملح الذي يستخرجونه من البحر الأحمر وكذا من بحيرة “أسال” الواقعة على على بعد 500 قدم تقريبا تحت سطح البحر، وهي أدنى نقطة في إفريقيا قاطبًة؛ وتعد واحدة من أجمل بحيرات العالم، وشهدت مياه البحيرة انحسارًا مما خلف كميات كبيرة من الملح الأبيض البلوري الذي اشتهرت به القبيلة.

 

 

اللغة العفرية

يتحدث العفر اللغة العفرية التي تنتمي إلى الفرع الكوشي من أسرة اللغات الأفروآسيوية التي تنتمي إليها اللغة العربية أيضا، وتضم اللغة العفرية عددا كبيرا من المفردات العربية وخاصة الألفاظ الدينية والتجارية، واللغة العفرية مثلها مثل عدد من اللغات الإفريقية الأخرى التي كُتبت لردح من الزمان بالحرف العربي، ثم استبدل بالحرف اللاتيني مع قدوم المستعمر الغربي إلى المنطقة ضمن مشروعه الاستعماري للهيمنة وفرض السيطرة على القارة وشعوبها.

النظام الاجتماعي

يتفق النظام الاجتماعي للعفر – شكلا ومضمونا وممارسة – مع النظام العربي الإسلامي؛ حيث لا تمييز بين أبناء العفر، ولا توجد فيهم طبقات اجتماعية متفاوتة، فهم متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين فقير وغنيٍّ وبين حاكم ومحكوم.

وبالرغم من أن بعض العفر هاجروا إلى المدن حيث حياة الحضر، فإن الغالبية العظمى من أفراد القبيلة ظلوا يمارسون حرفة رعي الإبل والأغنام والماشية في الصحراء خلال موسم الجفاف، وتمثل الجمال أكثر وسائل النقل لديهم، وحياتهم تتسم بالطابع البدوي فمعظمهم من البدو الرحل في مناطق لا تخلو من أجواء الطبيعة القاسية مما جعلهم أولو قوة وبأس شديدين؛ حيث اعتادوا على الجفاف، والبراكين، كما أنهم يتمكنون من العيش في جيبوتي على “البلح” فقط.

ويعيش العفر على نظام غذائي يعبر عن رمزية مهمة في التفاعلات الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال، عندما يقدم العفري للضيف حليبًا دافئًا للشرب فإن المضيف يعني ضمنًا أنه سيوفر حماية فورية للضيف، ومن عادات العفر الانتقام إذا قُتل شخص يحتمي بهم، فينتقمون له كما لو كان من أفراد قبيلتهم.

وفيما يتعلق بالملابس والأزياء، يرتدي الرجال من العفر الأزياء الفضفاضة مثل الجلباب، وفي أعيادهم ومناسباتهم يقوم العفري بحمل السيف الذي يشتهرون به، وترتدي المرأة الجلباب الفضفاض وتغطي وجهها.

وتقاس ثروة الرجل العفري بما يمتلكه من قطعان، ومع ذلك ليس كل العفر رعاة؛ فكثير ممن يعملون في أرض الدناكل يقطعون الملح الصلب خلال موسم الجفاف، لتوفير الملح الجاهز للاستخدام.

وينتظم العفر في مجموعات قبلية يرأس كل منها زعيم تقليدي يلقب بالسلطان.

منازل العفر

يقيم العفر في مساكن تتخذ عدة أشكال فمنها ما يكون على شكل خيام مغطاة بالحصير المجدول أو بفروع الأشجار، ومنها ما يكون على شكل كوخ مستطيل مغطى بفروع الأشجار، وهناك المنزل المصنوع من الألواح الخشبية، والمنزل المبني من الأحجار تحيط بهذه المنازل حواجز شوكية لحمايتهم من هجمات الحيوانات البرية أو رجال القبائل المعادية، كما تسمى الأكواخ البيضاوية الشكل التي يسكنون فيها، “أرى” وهي تصنع من حصير النخيل؛ حيث يتم نقلها بسهولة.

 

 

 

النساء العفريات

وتقع على النساء العفريات مهام اجتماعية كبيرة حيث يقمن بتوفير الغذاء من حلب الأبقار والأغنام وتزويد البيت بالمياه، وصنع الحصير الذي يستخدم في صناعة السور الخارجي للمسكن ويستخدم أيضا كغطاء، كما تقوم العفريات ببيع الملح المستخرج من الصحراء إلى جانب الحليب والجلود في الأسواق القريبة.

وتنقسم العشائر والأسر في القبيلة إلى فئات، ويمارس الختان للبنين والبنات في القبيلة، ويسمح للفتيان بالزواج الاختياري، وإن كان يفضل أن يتزوج من نفس القبيلة.

الزواج

لا يفضل رجال “العفر” تعدد الزوجات، ويفضلون زوجة واحدة، وقد تتزوج الفتيات في سن مبكرة، ويفضل الزواج بين أبناء العم والعمات وحينما يكون القمر بدرًا ويوجد قارئ يرتل القرآن، يصبح المكان والزمان مناسبين لحفل الزفاف العفري البديع. ويتشابه العفريون في غالب ثقافتهم مع التراث العربي في عادات الزواج وتزيين العروس ومراسم الاحتفالات واستخدام المجوهرات.

الاأمية الاقتصادية لمناطق تمركزهم

وتعتبر المناطق التي يقطنها العفريون من أغنى مناطق القارة الإفريقية بالمعادن والثروة الحيوانية والمائية، كما اكتشفت أخيرا كميات مبشرة من البترول بكميات تجارية قد تجعل من هذا الإقليم الأغنى في منطقة القرن الإفريقي، كما تعد منطقة العفر المعروفة بمنطقة “دناكيل” والواقعة شمال شرق إثيوبيا، وتمتد حتى إريتريا وجمهورية جيبوتي، من المناطق التي تشتهر بمناظرها الصحراوية والبركانية وارتفاع درجات الحرارة، كما تشتهر تلك المنطقة بمناجم الملح وبراكينها وحيواناتها البرية.

كما أنها تعرف أيضا بأنها مهد الإنسانية؛ حيث اكتشف فيها الهيكل العظمي الشهير للإنسان الأول والذي يعود إلى 3.2 مليون سنة.

الملامح والصفات الجسدية

يتصف أبناء العفر بسمات شكلية تميزهم عن غيرهم، فالعفري في الغالب نحيف الجسد قصير أو متوسط القامة لكنه غليظ العضلات، وذو بشرة سوداء تميل إلى الحمرة، وأنف دقيقة، وشفاة رقيقة، وشعرهم مجعد كثيف وطويل، كما يتصفون بالقوة البدنية ويميلون بفطرتهم إلى القتال وهم صيادون بارعون جدا.

ومن المشهود للشعب العفري كرمه وزهده وشغف العيش والصبر على المكاره وشجاعته وتعامله الطيب مع من يحيطون به، ويمتازون بأن لديهم نسيجا اجتماعيا وتمازجا قوميا، تجمعهم صلة الرحم والدين واللغة والعادات والتقاليد والثقافة.

 

الفنون والفلكلور

الشعب العفري محب للطرب والرقص شأنه في ذلك شأن سائر الشعوب الإفريقية، ومن أشهر الفنون لدى العفر، فن يسمى “السرح” وهو من أشهر أنواع الفن الشعبي “الفلكلوري” وهو فن يمارسه الرجال والنساء على حد سواء، كما أن للعفر بعض الرقصات التي تميزهم عن غيرهم من القبائل لعل من أبرزها رقصة “كيكي” وهى شبيهة بالرقصة اليمنية العربية وتشترك فيها الرجال والنساء أيضا، وهناك أيضا رقصة “مركدي” وهى شبيهة برقصة الحرب، وتقتصر على الرجال فقط دون النساء، حيث إنها تتصف بالخشونة من حيث الأداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى