المزيد

ماهيَّةُ الفلسفةِ عند أنطونيو غرامشي

ماهيَّةُ الفلسفةِ عند أنطونيو غرامشي

عندما يتحدث غرامشي عن المعرفة، فهو يفرِّق بين ثلاث مستويات هي : الفلسفة ، الدّين ، الحسّ المشترك أو الفلكلور. و يرى بأن الفلسفة نظام فكري، أما الدّين و الحس المشترك ؛ فلا يمكن أن يكونا كذلك.
جعل غرامشي الحس المشترك عنواناً للفكر العامّي المكوَّن من خليط كثيف من الأفكار والشوائب التاريخية غير المرتبة.
في مقابل الفلسفة التي تُعتبَر “حسّ سليم” أعلى قيمة و أكثر تعقيداً.

لقد لعِب الدّين لفترة طويلة دور الإيديولوجيا الموحِّدة للحياة الاجتماعية، فالكنيسة الكاثوليكية مثلاً، لا تزال توحِّد الكتلة الاجتماعية للمؤمنين، بل حتى أنها منعت ظهور دين للنخبة وآخر للعامة، وأبقت على رؤية للعالم موحدة، يتشارك فيها أعلى الهرم مع أسفله وظل هناك دين رسمي واحد. ووجب على الفلسفة أن تنحى هذا المنحى الذي لا تنفصل فيه القاعدة عن القمة، وأن تجعل من نفسها خادمة للحياة الاجتماعية، بتخلصها من طابعها الفردي الخالص.

ولا يعني ذلك أن تتحول الفلسفة إلى “حسّ مشترك” بل أن تتخذ من النقد سبيلاً للوصول إلى “حسّ سليم” ذلك أن تاريخ الفلسفة حمل على الدوام مهمة النقد، والنقد ينبع من القدرة على التفكير بطرق مختلفة، ومن النظر للأمور بطريقة مغايرة، كما أن وعي الإنسان الذاتي وصراعه من أجل إثبات الذات، يعتبر جزء من العملية. فعبر النقد الذاتي تطمح الفلسفة لإخراج الجماهير من سلبية الحس المشترك، وترشدهم إلى رؤية أرقى للحياة.

لقد تصوَّر غرامشي الفلسفة كإمكانية مُتاحة لكل الناس وليست تأملاً ميتافيزيقياً، فطالبها بالانخراط في اليومي وتعقيداته ، وهو بذلك ينحو منحى الطرح الماركسي، الذي رأى النشاط الفلسفي تفكيراً نقدياً مرتبطاً بالواقع، له الصلة الوثيقة بالممارسة السياسية فيحرِّك الوعي العمالي نحو الثورة.
و هكذا فالفلسفة عند غرامشي مُعطى ممكن لكل إنسان وليست كما يظن الكثيرين أنها حِكراً على فئة معينة من النخب، فالفلسفة عنده تفكير عفوي موجود لدى كل الناس، مادام أن لكل إنسان رؤية للكون والحياة. وفي الوقت ذاته يعتبر غرامشي وجود الأرضية الفلسفية عند العامة، فاتحة إلى خطوة تحضيرية ثانية هي ” الوعي النقدي”.

________________

📕 الفلسفة الغربية المعاصرة ( صناعة العقل الغربي ) ، مجموعة من الأكاديميين العرب ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ، ٢٠١٣.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى