مايكل عوض يكتب: سقوط الأكاذيب وتبديد الأوهام (2)

في تاريخ الحروب مع إسرائيل لم تربح إلا حرب 1967 وخسرت كل شيء بعدها، ولكنها صورت نفسها كقوة أسطورية قادرة على هزيمة من تشاء وحالما تشاء أو تفوض المهمة.
لم تكن حرب 1947 و1948 حرباً عربية إسرائيلية، بل كانت العصابات الصهيونية تحت حماية الانتداب البريطاني وتدعمها فرنسا وغيرها. وكلما حقق الثوار الفلسطينيون والمتطوعون العرب انتصارات ومكاسب، تآمرت عليهم دولة الانتداب وأدواتها من الحكام العرب، وجردتهم من انتصاراتهم، وأعطتها للعصابات الصهيونية. وعندما تم إجلاؤهم، أعطت العصابات دولة إسرائيل محاطة بالعائلات والحكام والقوات والأنظمة التي صممتها دولهم الصغيرة لحمايتها وتأمينها. وهم جميعاً عملاء للخارج، تقودهم دول الانتداب، ومؤمنون بالسلطة.
ولكن كارثة الاستيلاء على فلسطين أطلقت حركة تمرد وتحرير عربية في كل المنطقة، وأنتج الجيش المصري ثورة الضباط الأحرار والظاهرة الناصرية وحزب البعث في تجارب سوريا والعراق والثورتين الجزائرية واليمنية وانقلابات الجيش في السودان وليبيا. وجاءت حرب 1956 نتيجة تأميم قناة السويس كأول حرب عربية بالمواجهة، وهزم العدوان الثلاثي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا دول العدوان، وتعززت الظاهرة الناصرية. ثم جاءت هزيمة 1967 التي احتوت على أسرار كثيرة لم تنكشف بعد، ففي حروب الاستنزاف لم تنتصر إسرائيل وخسرت لواءين في معركة الكرامة عام 1968 في الأردن، وهو ما كان سبباً في انطلاقة وهيمنة منظمة التحرير الفلسطينية على قيادة الصراع.
في حرب أكتوبر 1973 حقق الجيشان السوري والمصري نصراً عسكرياً مبهراً أجهضه التدخل العسكري الأميركي المباشر والجسر الجوي وخيانة السادات وخروجه من المواجهة إلى التسوية والتحالف مع أميركا وإسرائيل، وبقيت سورية وحدها تقاوم وتمنح الفرص لخلق خيار المقاومة،
ثم جاء غزو بيروت عام 1982 الذي حققت فيه إسرائيل نصراً مؤقتاً أدى إلى رحيل وتشتت منظمة التحرير الفلسطينية،
إلا أن المقاومة اكتسبت زخماً نوعياً واستثنائياً جديداً، بدأ بدعم من ليبيا وسوريا، ثم من إيران حيث انتصرت الثورة الإسلامية، وهكذا اكتسب خيار المقاومة الفرص والبيئات، وتوافرت له الظروف الثورية التاريخية، فبرزت المقاومة الإسلامية في لبنان وحققت سلسلة طويلة من الانتصارات التي تراكمت وأنتجت نصر العام 2000، وهو نصر معجزة غيرت أسس موازين القوى في الصراع العربي الصهيوني، فهو صراع بين الشرق والغرب.
لقد كسر انتصار عام 2000 وأنهى أحد أهم عناصر القوة الاستراتيجية لإسرائيل، وهو فرض الشروط عبر الاحتلال، فخرجت إسرائيل ورأسها بين فخذيها بلا تفاوض أو قيود أو شروط. وفي مجد عام 2005 ثبتت حقيقة أن الاحتلال كوسيلة للفرض انتهى إلى الأبد وتحررت غزة بلا تفاوض أو قيود أو شروط. وفي حرب
تموز 2006 هزمت وكسرت ذراعها الاستراتيجية الثانية لفرض الشروط عبر الحروب الخاطفة وفي أرض العدو، وحصدت مسبحة الانتصارات في جولات غزة 2008 و2009 و2012 و2014، حتى كانت جولة سيف القدس قفزة نوعية قررت أن حرب الجولات أصبحت مضغوطة ولم يعد الصراع يحتمل فترة طويلة بين الجولات، فكان عام 2022 بجولتين. ثم 2023، جولة نوعية مفصلية أشعلتها عملية معجزة في طوفان الأقصى، والحرب مستمرة،
هكذا هي قصة الصراع وواقعه المعاش، من أين جاءت النظرية القائلة بأن إسرائيل قوة هرقلية لا تقهر، وأن جيشها أسطوري وفوق بشري لا يمكن مواجهته؟
إنها معلومات مضللة ووهم وحالة من الإحباط واليأس أصابت الأمة والشعوب، والأخطر من ذلك أن نشغلها بأوهام الاستيطان والخيانة، وأن نخلق صراعات بين طوائفها واتجاهاتها الأيديولوجية والسياسية، وليس بقوة إسرائيل أو بقوة أميركا وحلفائها، والتي كشفتها غزة أيضاً كأكذوبة هوليود لا أكثر