المزيد

مراد الرابع.. السلطان الشاب الذي واجه الفوضى وأعاد مجد الدولة العثمانية

في قلب الدولة العثمانية، عندما كانت الأزمات تتصاعد والفتن تشتد، برزت فرقة الإنكشارية كقوة عسكرية مرهوبة الجانب، تزرع الرعب في الميادين وتحصد المجد في ساحات المعارك، بدأت هذه الفرقة بانضباط صارم، وكانت طليعة الانتصارات، تتلقى الأوامر وتنفذها بدقة، فحصد جنودها المجد والرتب، لكن مع مرور الوقت وتراجع هيبة السلاطين، تحولت هذه القوة من درع للأمة إلى خنجر في خاصرتها، حيث بدأ أفرادها بالتمرد والتدخل في شؤون الحكم، مطالبين بمنافعهم الخاصة، غير مترددين في خلع سلطان أو قتل وزير.

من هو مراد الرابع

وسط هذا المشهد المضطرب، صعد مراد الرابع إلى سدة الحكم عام 1623، وهو لا يزال في الثانية عشرة من عمره، حيث جاء إلى العرش بعد أن خلع الإنكشارية عمه مصطفى الأول وقتلوا السلطان عثمان الثاني في انتفاضة عنيفة عُرفت باسم الثورة العثمانية الكبرى عام 1622، خلال هذه المرحلة الخطرة، أدارت والدته كوسم شؤون الدولة نيابة عنه، بينما فرضت الإنكشارية سيطرتها الكاملة على مفاصل السلطة، كما عانت الدولة من تفكك داخلي، فأعلن ولاة طرابلس الشام وأرضروم الاستقلال، وسقطت بغداد في يد الصفويين.

تصاعدت الأزمة بعد فشل حافظ باشا، الصدر الأعظم، في استعادة بغداد، فرضت الإنكشارية شروطها وأجبرته على فك الحصار، ثم تولى خسرو باشا المنصب وقام بقمع تمرد أباظة باشا، لكنه فشل أيضًا في تحقيق أي تقدم في بغداد بعد عزله، سعى إلى إثارة الفتنة فحرض الإنكشارية على الثورة في عام 1632، فاجتاحوا العاصمة وقتلوا حافظ باشا أمام أعين السلطان.

واجه مراد هذا التمرد بصلابة غير متوقعة من فتى صغير السن، فأمر بإلقاء القبض على خسرو باشا، وقُتل في قصره دون تردد بعد ذلك، قمع مراد الثورة بكل حزم، وأعلن بوضوح أن كل من يتمرد على السلطنة سيواجه أقسى العقوبات.

وبعد تسع سنوات من وصاية والدته، استلم مراد الحكم بسلطة مطلقة، وبدأ بتطهير الدولة من الفساد، حيث أصدر أوامره بقطع رؤوس المتمردين وإعادة النظام إلى كل أنحاء الدولة في عام 1635، قاد بنفسه جيشا ضخما من مئتي ألف مقاتل إلى بلاد فارس، فتمكن من دخول أريوان وتبريز، ثم عاد لفترة راحة لكن الصفويين أعادوا السيطرة على المدينتين، فما كان من مراد إلا أن أعاد الكرة في عام 1638، وقاد حملة عسكرية جديدة، حاصر خلالها بغداد مدة تسعة وثلاثين يوما، انتهت بسقوط المدينة وعودتها إلى الحكم العثماني.

وفي عام 1639، أبرم مراد صلحا مع الصفويين، استعاد بموجبه بغداد، وتنازل عن أريوان، مما أنهى الصراع المسلح بين الطرفين وأعاد الاستقرار إلى المنطقة.

توفي مراد الرابع في فبراير من عام 1640، وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، دون أن يترك وريثا يخلفه ومع ذلك، ترك وراءه إرثا عظيما، أعاد للدولة هيبتها، وأعاد تنظيم الجيش، ومدّ في عمر السلطنة لعدة عقود من القوة والاستقرار، كما عُرف بصرامته وحزمه، حتى قيل إنه أعدم الآلاف لترسيخ حكمه، وبقي اسمه محفورا في ذاكرة التاريخ العثماني كأحد أقوى السلاطين الذين واجهوا الفوضى بقوة الإرادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى