تاريخ ومزارات

عبيد الله المهدي: مؤسس الدولة الفاطمية وباني أسسها في شمال إفريقيا

عبيد الله بن الحسين المهدي، مؤسس سلالة الفاطميين وإمام الشيعة الإسماعيلية الحادي عشر، يعتبر من أبرز الشخصيات التاريخية التي أسست الخلافة الشيعية الوحيدة في الإسلام. ينحدر نسبه وفق الرأي المتفق عليه لدى الشيعة الإسماعيلية وعلماء مثل المقريزي وابن خلدون إلى فاطمة الزهراء، بنت النبي محمد، عبر الحسين بن علي.

في سنة 292 هـ (905 م)، خرج عبيد الله من سلمية في بلاد الشام متجهاً إلى المغرب بعد نجاح داعيته أبي عبد الله الشيعي هناك، واستقر في سجلماسة متخفياً في زي تاجر. كان يتواصل سراً مع أبي عبد الله الشيعي الذي كان يطلعه على المستجدات، لكن اكتشف أمير سجلماسة أمره واعتقله مع ابنه حتى أطلق سراحهما أبو عبد الله الشيعي بعد القضاء على دولة الأغالبة.

قاد أبو عبد الله قواته إلى سجلماسة لتحرير عبيد الله، واستولى على تاهرت وأسقط حكم الرستميين في طريقه، وحاصر سجلماسة حتى سقطت. خرج عبيد الله من السجن وسط استقبال حافل من أبي عبد الله الذي أبدى احتراماً كبيراً له معلناً أن الله قد أنجز وعده بإظهاره.

بعد أربعين يوماً في سجلماسة، عاد عبيد الله مع أبي عبد الله الشيعي إلى رقادة، حيث استقبله أهل القيروان ورقادة بحفاوة. وفي يوم الجمعة التالي، أمر عبيد الله بذكر اسمه في خطبتي رقادة والقيروان، معلناً بذلك قيام الدولة الفاطمية.

أسس عبيد الله مدينة المهدية كعاصمة لدولته، مستفيداً من موقعها الاستراتيجي على شبه جزيرة محصنة. بنى فيها قصره وقصر ولده القائم بأمر الله، وأحاطها بسور قوي لحمايتها من الهجمات البحرية. كما أنشأ مدينة زويلة التي أصبحت مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً، حيث كان يتجمع فيها تجار القبائل، مما ساهم في تعزيز حماية المهدية.

بعد توليه الخلافة، سعى عبيد الله لتثبيت سلطته المطلقة على الدولة الناشئة والدعوة الإسماعيلية، مما قاده إلى صدام حتمي مع أبي عبد الله الشيعي الذي كان له الفضل في تأسيس الدولة. لم يتردد عبيد الله في التخلص منه بقتله في سنة 298 هـ (911 م)، إلا أنه شهد جنازته وذكر فضله أمام الناس.

أدى مقتل أبي عبد الله إلى فتنة بين أتباعه من قبيلة كتامة الذين رفعوا طفلاً زعموا أنه المهدي المنتظر. اضطر عبيد الله لإرسال حملة بقيادة ابنه لقمع الفتنة وإخمادها، وتم القضاء على الطفل الذي نصبوه مهديًا.

بعد حكم دام حوالي 25 عامًا، توفي عبيد الله المهدي في سنة 322 هـ (934 م) وخلفه ابنه محمد القائم بأمر الله. كان عهد عبيد الله فترة تأسيس قوية وضعت أسس الدولة الفاطمية بعد جهود التمهيد التي قادها الداعي أبو عبد الله الشيعي.

المؤرخ ابن خلكان في “وفيات الأعيان” يشير إلى الاختلاف الكبير حول نسب عبيد الله، في حين أن البعض ينكر نسبه العلوي ويعتبره مجرد ابن رجل يدعى ميمون القداح. ومع ذلك، يظل عبيد الله المهدي شخصية محورية في تاريخ الفاطميين، حيث نجح بدهائه وحنكته في تأسيس دولة تمتد من شمال إفريقيا إلى مصر التي استولى عليها المعز لدين الله لاحقًا.

ورغم كل الجدل حول نسبه وشرعيته، لا شك أن عبيد الله المهدي كان أحد أعظم القادة في التاريخ الإسلامي، فقد أسس دولة استمرت حتى سقوطها على يد صلاح الدين الأيوبي، محققة إنجازات سياسية وثقافية لازالت تُدرس حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى