قبيلة الزاير في قلب التاريخ المغربي.. من التنقل إلى الاندثار تحت ضوء الأمس والحاضر
أسماء صبحي – تعد قبائل العرب في المغرب العربي جزءًا لا يتجزأ من النسيج التاريخي والثقافي للمنطقة. ومن بين هذه القبائل تبرز قبيلة الزاير كمنظومة قبلية ذات جذور عربية هجرية لعبت أدوارًا اجتماعية واقتصادية وثقافية ملموسة عبر العصور في المغرب، وكانت عرضة لتحولات كبيرة بفعل عوامل سياسية واجتماعية استعمارية وعصرية.
أصل قبيلة الزاير
تعد القبيلة من الأنساب العربية التي تعود جذورها إلى قبائل “مقال”. وهي فروع بدوية قدمت إلى شمال إفريقيا خلال العصور الوسطى. ويروي التراث القبلي بأنها نشأت في منطقة موريتانيا الحديثة تحديدًا في منطقة نهر أحمر قبل أن يجبرها ضغط قبائل أكبر على التقدم غربًا وإيجاد مستقر دائم في قلب المغرب.
وفقًا لما أورده المستكشف والمؤرخ ليون الإفريقي في أوائل القرن السادس عشر. فقد استقرت القبيلة في البداية بمنطقة خنيفرة ثم واصلت رحلتها شمالًا نحو منطقة الرباط.
نمط الحياة والتأثير الاستعماري
كانت الزاير قبيلة رعوية شبه رحالة تعتمد على رعي المواشي والتنقل الموسمي داخل مراعيها الموسمية. وقد كانت مكونة من مجموعتين رئيسيتين: “الكفيانة” وغربها، و”المزارعة” شرقًا مع وجود لغة وثقافة اجتماعية فريدة ميزتها عن القبائل المجاورة.
إلا أن هذه الطريقة التقليدية في الحياة انهارت تدريجيًا بفعل الاحتلال الفرنسي للمغرب. فقد قام المستعمر بتقسيم أراضي الرعي الأمامية وتحويلها إلى أراضٍ زراعية مملوكة للمستوطنين الأوروبيين ما هدم شبكات العيش والتنقل التقليدية للقبيلة. كما طرد الكثير من الراعين من أراضي قبيلتهم التي بيعت بأرخص الأسعار.
الحاضر والميراث الثقافي
اليوم، رغم استمرار وجود أحفاد الزاير فإن القبيلة لم تعد معترفًا بها ككيان قبلي مستقل من قبل الدولة المغربية. ويعتبر نمطها التقليدي شبه معدوم ولم يعد موجودًا كما كان ذات يوم.
لكن يبقى المدخل التاريخي والاجتماعي للقبيلة ذا أهمية باعتباره أحد النماذج التي توضح التحولات الجذرية التي شهدها النسيج القبلي في المغرب العربي في مواجهة الاحتلال الأوروبي والتحولات الحديثة.
ويقول الدكتور يوسف المعزي، أستاذ دراسات التراث بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن قبيلة الزاير تمثل حالة دراسية مهمة لفهم تأثير الاستعمار الفرنسي على القبائل العربية الرحالة في المغرب. وقد أدى تفكيك أراضيهم وتحويلها إلى ملكيات فردية للمستوطنين إلى نهاية نمطهم الاقتصادي التقليدي، وتسبب في تهميشهم الاجتماعي. ورغم اختفاء الاعتراف الرسمي تمتد آثار وجودهم إلى الثقافة المادية والموروث الشفهي للمنطقة.



