الشدة العظمى.. أول مظاهرة نسائية فى التاريخ
أسماء صبحي
رصد المؤرخ الكبير تقى الدين أبو العباس أحمد بن على المقريزى فى كتابه “إغاثة الأمة بكشف الغمة”.ما يقرب من 26 مجاعة وأزمة اقتصادية ضربت المحروسة منذ فجر التاريخ وحتى عام 1442 هجريه ” تاريخ وفاته، وقالت أميمة حسين، الخبيرة في التراث، إن أسباب المجاعات فى مصر واحدة، ومنها: (غياب مياه النيل، وغفلة الحكام وابتعادهم عن الشعب واحتفاظهم بالسلطة لفترات طويلة بكل الطرق الشرعية والغير شرعية”.
الشدة العظمى
وأضافت حسين، أن أبشع هذه المجاعات كانت “الشدة المستنصرية/ الشدة العظمى” التي حدثت في الدولة الفاطمية أواخر حكم المستنصر بالله الفاطمي، ويرى البعض أنها تشبه إلى حد كبير سنوات السبع العجاف في عصر نبى الله يوسف، وفيها تصحرت الأرض، وهلك الحرث والنسل، وخطف الخبز من على رؤس الخبازين، وأكل الناس القطط والكلاب، حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسة حتى أنه باع ماعلى مقابر أبائه من رخام، وتصدقت عليه أبنة أحد علماء زمانه، وخرجت النساء جياع يتظاهرن.
وكانت قائدة المظاهرة أرملة الأمير جعفر إبن هشام، وفيها كتب المقريزى يقول : “ومن غريب ما وقع، أن إمراة من أرباب البيوتات أخذت عقدا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة فى أن يعطوها به دقيقا، وكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه إلى أن يرفعها بعض الناس، وباعها تليس ” شوال ” دقيق، وكانت تسكن بالقاهرة، فلما أخذته أعطته لمن يحميه من اللصوص فى الطريق، فلما وصلت إلى باب زويلة تسلمته من الحمال ومشت به قليلاً، فتكاثر الناس عليها وإنتهبوه نهبا، فأخذت هى أيضا مع الناس ملء يديها لم ينبها غيره، ثم عجنته وشوته، فلما صار قرصة أخذتها معها، وتوصلت إلى أحد أبواب القصر، ووقفت على مكان مرتفع، رفعت القرصة على يديها بحيث يراه الناس، ونادت بأعلى صوتها: (يا أهل القاهرة.. إدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره. لقد حصلت على هذه القرصة بألف دينار)”.
تحسن حال مصر
وصل الخبر للحاكم، فغضب وتوعد، وأحضر الوالى وتهدده وتوعده، وأقسم له بالله جلت قدرته أنه إن لم يظهر الخبز فى الأسواق، وينحل “يرخص” السعر ضرب رقبته.
استدعى المستنصر والي عكا بدر الجمالي، وولاه وزارة مصر فتحسنت أحوال مصر علي يديه، وتحسن حال مصر رويدا رويدا بفعل سياسته الحكيمة، وعاد النيل مرة أخرى في السريان، ومن فرط حب الناس لبدر كان الشعب يخرج مهللا له: (ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة).