قبائل و عائلات

قبيلة كومية.. عرب الأندلس الذين جددوا ملامح المجتمع المغاربي

أسماء صبحي – لا يمكن فهم البنية الاجتماعية والثقافية لبلاد المغرب العربي دون التوقف عند القبائل التي صنعت جزءًا من تاريخه. فمع سقوط الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي شهدت المنطقة موجات من الهجرة العربية والأمازيغية والأندلسية التي شكلت معًا هوية معقدة ومركبة. ومن بين هذه الموجات برزت قبيلة كومية التي جاءت من الأندلس محملة بإرث حضاري غني لتستقر في أراضي المغرب الكبير وتصبح لاعبًا أساسيًا في تاريخه السياسي والاجتماعي.

هجرة قبيلة كومية

تعود أصول كومية إلى عرب الأندلس الذين نزحوا إلى شمال أفريقيا بعد سقوط ممالكهم أمام المد الكاثوليكي الإسباني. وكانت هجرتهم اضطرارية لكنها حملت معها خبرات في الزراعة، والعمارة، والعلوم، والفنون، وهو ما منح القبيلة موقعًا متميزًا في المجتمعات التي استقرت فيها. واستوطنت أساسًا في المغرب، وتوزعت فروع منها في الجزائر وتونس وليبيا، حيث اندمجت تدريجيًا مع القبائل المحلية.

التفاعل مع المجتمعات المحلية

تميزت كومية بقدرتها الفائقة على التكيف مع البيئات الجديدة. فقد جلب أفرادها أنماطًا جديدة من الزراعة خاصة في زراعة الزيتون والكروم، وأساليب بناء مستوحاة من العمارة الأندلسية. إضافة إلى تقاليد موسيقية وفنية أغنت المشهد الثقافي في المغرب العربي. كما كان لهم دور بارز في التجارة، بحكم خبراتهم القديمة في شبكات المبادلات بين الأندلس والبحر المتوسط.

الدور السياسي والتاريخي

لم يقتصر دور كومية على الاقتصاد والثقافة فحسب، بل لعبت القبيلة أيضًا أدوارًا سياسية في بعض الفترات. إذ شارك أبناؤها في الدفاع عن الأراضي المغاربية ضد التوغلات الأوروبية، كما ساهموا في الحركات الإصلاحية التي ظهرت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد اعتبرهم مؤرخون جزءًا من “الذاكرة الأندلسية” التي مازالت حاضرة في بلاد المغرب حتى اليوم.

الثقافة والهوية

احتفظت كومية بجملة من العادات التي تربطها بأصولها الأندلسية. ومن أبرزها حفلات الأعراس التي لا تزال تتخللها أغانٍ ذات طابع أندلسي إضافة إلى الأزياء التقليدية التي تحمل بصمة واضحة من أزياء غرناطة وقرطبة. ومع مرور الوقت، امتزجت هذه التقاليد بالعادات المحلية، لتخلق مزيجًا فريدًا يميز القبيلة عن غيرها.

ويقول الدكتور عبد الرحمن بن خليفة، الباحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب العربي، إن قبيلة كومية ليست مجرد جماعة سكنت شمال أفريقيا بعد سقوط الأندلس، بل هي شاهد حي على قدرة الهويات على الصمود والتجدد. لقد أسهمت هذه القبيلة في إثراء الثقافة المغاربية من خلال نقلها الإرث الأندلسي وإعادة صياغته بما يتلاءم مع البيئة الجديدة. ومن هنا فإن دراسة كومية تعني فهم واحد من الجسور التاريخية بين الأندلس والمغرب الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى