تحويسة من جبال عمور و أولاد نايل إلى قمم جرجرة و الأطلس البليدي
اليوم صورة ، أسطورة رائعة ، تحويسة من جبال عمور و أولاد نايل إلى قمم جرجرة و الأطلس البليدي و الظهرة و البيبان…… و مراجعة لأمازيغية الأجداد ….
تراث يوحد كل مناطق بلدنا … الأسطورة تحيّة مني لعرش أولاد نايل الغالي ، الذي كما سنرى في المقال … يتقاسم أصولا مشتركة و تاريخا ضاربا في القدم مع أعراش أمازيغية تاريخية أخرى : عرش بني زروال بجبال الظهرة ، عرش آيث منڨلات بمنطقة القبائل ، عرش غلاي بجبال البليدة ، عرش بني جعد بجبال لخضرية ….. إلخ ، و في هذا أكبر دليل على وحدة شعبنا ، و أفضل رد على خطاب العنصريين و دعاة الحقد و الكراهية من أعداء وحدة بلدنا ……
صورة رائعة لفانطازيا ، إستعراض الفروسية الأمازيغي ، نظمت ببلدية الشارف بولاية الجلفة ( حوالي 50 كم غرب مقر الولاية ) ، تقول الرواية الشعبية أن قصر تيولفين ( الإسم الأصلي لبلدية الشارف ) تأسس منذ قرون ، لما وفد الولي الصالح سيدي علي بن محمد على قبيلة البوازيد ( أولاد سيدي بوزيد ) و استقر بالمنطقة مؤسسا زاويته الشهيرة
تقول الأسطورة أن سيدي بوزيد استقبل في خيمته الشيخ سيدي علي بن محمد ، الذي أتى من الساقية الحمراء ( إسم مكان يعود دائما في أساطير بلدنا ) في طريقه إلى الحج ، أعجب سيدي علي بالمكان و بكرم سيدي بوزيد فبقي عنده أياما ، لما قرر مواصلة سفره إلى مكة خشي ألا يكفيه الوقت إذا مشى على قدميه ، فأعطاه سيدي بوزيد جملا لمواصلة الرحلة …. ما إن اجتاز سيدي علي ثنية طاڨا ( طاڨا إسم أمازيغي لشجرة تشبه العرعار ) حتى رفض الجمل التوجه شرقا ، رغم إصرار صاحبه ، إصرار أدى إلى سقوط سيدي علي في واد توزارا ( إسم نبتة بالأمازيغية ، نسميها توزالا بلهجتنا ) و كسر رجله ، قام أهل المنطقة بنقل سيدي علي إلى خيمة سيدي بوزيد لتلقي العلاج ، فعلم الرجلان آنذاك الله سبحانه و تعالى كتب على سيدي علي الإستقرار بالمنطقة !!
أعجب سيدي بوزيد كثيرا بعلم سيدي علي الغزير ، بورعه و تقواه و فروسيته ، واجتهاده في محاربة الشركيات و العقائد الفاسدة ، فزوجه بابنته تونس ( تونست / تنست تعني بالأمازيغية القفل أو المفتاح ) وطلب منه الاستقرار بالمنطقة لتعليم الناس ، بعد مدة قرر سيدي علي العودة إلى دياره بالساقية الحمراء ، لكن سيدي بوزيد حاول منعه واقترح عليه الخيار بين 2000 دينار و امتلاك عين تيولفين ( تعني بالأمازيغية النخيلات ، مفردها تاولفت ، بعض أشجار النخيل الصغيرة ) ، إختار سيدي علي الألفين دينار ، لكنه لما أراد الوضوء و رأى مياه عين تيولفين العذبة ندم على خياره ، أرجع الألفي دينار إلى صديقه و قال مقولته الشهيرة : أعطيني تيولفين خير من ألفين ….. أي أن أرض الأجداد لا تقدر بثمن !!!!
إستقر سيدي علي نهائيا بالمنطقة ، كبرت عائلته و زاويته التي استقطبت أعدادا كبيرة من الطلبة ، لذلك قرر سيدي بوزيد الرحيل عن المنطقة و الذهاب إلى جبل عمور لمواصلة الدعوة إلى الله ( كما هي عادة العلماء في أعرافنا ، ألا يبقى عالمان في منطقة واحدة ، لنشر العلم و الخير ) ، فأسس زاويته بضواحي أفلو أين يوجد ضريحه إلى اليوم ……
تعاقبت أجيال من أبناء سيدي علي بن محمد على زاوية تيولفين ( التي سميت بعد ذلك بالشارف نسبة لفرس جدهم علي) ، حتى سنة 1083 هجري ، السنة التي ولد فيها سيدي عبد العزيز ( جد العبازيز ) الذي سيصبح أحد علماء بلدنا ، و إحدى أهم الشخصيات في قصص و أساطير شعبنا ، ذاع صيت سيدي عبد العزيز في كل المنطقة و أصبح مفخرة عرش أولاد نايل التاريخي ، في أحد الأيام قرر الشيخ السفر لطلب العلم و الدعوة إلى الله ، تاركا زوجته حليمة و أولاده ، متوجها إلى جبال الظهرة ( قرب مستغانم ) عند شيخ عرش بني زروال الأمازيغي العريق ( أزروال تعني الشخص أزرق العينين ) ، سيدي محمد بن شاعة ( أب سيدي الحبشي المدفون عندنا بجبال الصومعة عند عرش غلاي ) ، أين التقى بطالب علم من عرش بني جعد الأمازيغي ( عرش تمتد أراضيه شرق الأطلس البليدي بين لخضرية و تابلاط )
إتجه الرجلان إلى جبال بني جعد أين استقر سيدي عبد العزيز لتعليم الناس القرآن ، و تزوج من إبنة صديقه الجعدي لالا فاطمة ، بعد مدة من الزمن قرر الشيخ السفر إلى الضفة المقابلة لواد يسر عند عرش بني خلفون الأمازيغي ( بلدية شعبة العامر ، ولاية بومرداس اليوم ) ، تقول الأسطورة أنه ، و قبل سفره ، ضرب زوجته الحامل بعصاه على رأسها بكل لطف قائلا : من هذا الراس يخرج مائة و واحد فارس !! بعد أشهر ولدت لالا فاطمة الجعدية طفلا مباركا : سيدي علي بوفارس ، الذي سيكون من نسله أجداد الشيخ المقراني رحمه الله ، و قسم من أبنائه سيستقرون بجبال جرجرة عند عرش آيث منڨلات التاريخي ( قرب عين الحمام ) ، في منطقة آيث يحيى الغالية ، التي أنجبت الشيخ محند أو لحسين ، شيخ و شاعر و فارس جرجرة ، الذي ينحدر من عائلته البطل المجاهد حسين آيت احمد رحمه الله تعالى …..
توجه الشيخ عبد العزيز إلى جبال بني خلفون ( شرق لخضرية حاليا ) ، بالضبط بمغارة قرب ممر تيزي ن شريعث ، أين كان يتعبد سيدي سالم بن مخلوف ( مؤسس الزاوية الشهيرة بواد سوفلات ، بلدية المقراني حاليا ، جنوب لخضرية ) ، من هذا اللقاء المبارك نشأت صداقة قوية بين الرجلين ، و تزوج الشيخ عبد العزيز بابنة الشيخ سالم لالا سمحة التي ولدت له ابنه عبد الرحيم ، كما قام الرجلان بتأسيس الزاوية الشهيرة ، التي أصبحت منارة للعلم و تحفيظ القرآن بالمنطقة لقرون من الزمن …..
لكن الشيخ عبد العزيز اشتاق إلى تيولفين ، و إلى زوجته الأولى حليمة و أولاده ، فقرر العودة إلى مسقط رأسه بعد 5 سنوات من الترحال … بعد مدة قرر سيدي عبد العزيز الذهاب إلى الحج ، لكن زوجته الصالحة لالا حليمة منعته من ذلك ، خوفا أن يغيب لخمس سنوات أخرى …. فقرر الشيخ قضاء ليلة كاملة في الذكر و الصلاة و الدعاء للفقراء و المساكين … فلقبه الناس بالحاج لعطفه و ورعه ، و ذاع صيته أكثر لما قام بإغاثة أهل لغواط ( قبيلة أمازيغية من مغراوة ) لما فاض عليهم واد امزي ( كلمة تعني الغول أو الشاب بالأمازيغية ) ، تقول الأسطورة أنه ، و منذ ذلك اليوم ، يقوم أهل قصر لغواط بإهداء أول و أجود محصول من التمور ، من أنواع تيدالا و تيزاوت و تيمجوهرت ( أسماء أمازيغية مستعملة إلى يومنا ) ، إلى زاوية الشارف ، إعترافا بجميل الشيخ الورع …… توفي سيدي عبد العزيز عن عمر يناهز 63 سنة ، و دفن في الشارف ، لكن بني جعد يقولون أنه دفن عندهم بسفح جبل لالا مسّعد شمال لخضرية ، أين تلتقي أراضي بني جعد وعمال وبني خلفون ……
أسطورة من أساطير بلدنا الغالي ، مليئة بالعبر و الحكم و المعاني الرائعة ، من تمسك بالإسلام الحنيف و الأرض و السفر لطلب العلم و نشر الخير ، و التكافل و التآزر الإجتماعي ، أسطورة تربط عدة مناطق تاريخية من بلدنا الحبيب : من قمم بيبان و جرجرة إلى جبال الظهرة ، و من جبال اولاد نايل إلى قمم الأطلس البليدي …. شعب واحد ، تاريخ واحد ، ثقافة واحدة !!!!
تحية إلى كل أهلي أبناء تيولفين ( الشارف ) الغالين على قلبي ، و إلى كل أبناء سيدي عبد العزيز أينما كانوا ، بمنطقة القبائل و جبال الظهرة و الأطلس البليدي … إلخ ، و إلى كل المرابطين الأحرار …. أحفاد البطل يوسف بن تاشفين
الصورة للمبدع Aek Boudinar