عبيد التل الكبير.. حين اختار ضابط المدفعية أن يواجه الموت وحده

في إحدى ليالي سبتمبر من عام 1882، وقف محمد عبيد، ضابط المدفعية الباسل في صفوف جيش أحمد عرابي، فوق التل الكبير، يراقب تقدم القوات البريطانية التي ملأت الأفق بصليل السلاح وصهيل الخيول، كما امتلأ الهواء برائحة البارود، وتعالت أصوات المدافع، فيما كانت جيوش الاحتلال تتقدم بقوة هائلة مدعومة بأحدث الأسلحة، كما انهارت صفوف جيش عرابي أمام هذا الزحف الكاسح، وتراجع الكثيرون بينما فر البعض الآخر من ساحة المعركة.
رفض محمد عبيد أن يكون واحدًا من الهاربين، واختار أن يثبت في موقعه، كما كان أمير الآلاي وقائد فرقة صغيرة لا يتجاوز عدد جنودها ثلاثة آلاف، يعلم تمامًا أن النصر بعيد، لكنه لم يعبأ بذلك، وظل بجوار مدفعه يطلق القذائف واحدة تلو الأخرى، كما تناثرت نيران الرشاشات البريطانية من حوله، وارتفعت حرارة المدفع إلى حد أنها كادت تذيب المعدن، لكنه تشبث بمكانه، رابطًا مصيره بتراب الأرض التي أقسم أن يدافع عنها حتى النفس الأخير.
وقف عبيد كأنه جبل لا تهزه العواصف، واجه الموت بثبات، وظل يطلق القذائف إلى أن أنهك جسده، لكن روحه بقيت مرفوعة الرأس، اقتحمت الخيول البريطانية الموقع، وتطاير جسده تحت سنابكها، دون أن يحدد أحد مكان قبره، لكن حكاية صموده بدأت منذ تلك اللحظة تنتشر بين الناس.
لم تتوقف قصة عبيد عند سقوطه في المعركة، بل بدأت بطولته تترسخ في ذاكرة المصريين، الذين رأوا فيه رمزًا نقيًا للشرف والتضحية، كما ترددت الحكايات عنه في كل بيت، وتحول اسمه إلى أسطورة يتداولها الناس جيلاً بعد جيل، ليس كضابط سقط في معركة، بل كبطل اختار أن يبقى حين رحل الجميع.



